بقلم / عبد الرحيم المبارك علي جناية في حق القصر الجمهري ! من بين مختلف الحوادث التي حلت بالخرطوم طوال الخمسة والعشرين عاما الماضية على الأقل؛ لا أعرف جريمة صدمت الناس وجرحت مشاعرهم واستفزت ضمائرهم بمثل ما فعلت جريمة طالعنا فصولها يوم السبت الماضي. شخص قتل أحد أفراد الحرس الجمهوري بسكين واستولى على سلاحه، ثم قتل فردا آخر من قوة الحرس بالسلاح! هذه الواقعة تعد واحدة من أغرب حوادث التاريخ السوداني. ارتكب الجاني الجرم على ذلك النحو الذي مر بنا في وحدة حساسة تقوم على الانضباط الصارم، وانتهك حرمة القصر الجمهوري، وقتل (الديدبان) الواقف فيه.. وتعامل مع مدخله بحسبانه (مزارا سياحيا)! رغم أن فصول الجريمة لم تتم بعد، كما أن حقائقها لم تتكشف، فإن المصلحة العامة والأمان الحقيقي يقتضيان أن يحاط الناس بكل الحقائق، فشعار (الناس يجب أن تعرف) استبدل في هذا الزمان بشعار آخر (اطمئنوا فالحكومة تعرف وهي قائمة بواجبها على أكمل وجه). ورغم أننا لا ننازع في صحة هذا الشعار الأخير، ولكن الذي ندعيه هو أن نهوض الحكومة بالأمر ينبغي أن لا يلغي حق الناس في أن يعرفوا، وتلك بديهة مستقرة في كل زمان، وهي ألزم في هذه الأيام، حيث أصبح الناس أكثر معرفة بالحقيقة من الفضاء المفتوح، وأشد حرصا على استخلاصها والتحقق من صحتها بالصوت والصورة. كنت أتصور -لفظاعة الجريمة- أنها سوف تجد تغطية كبيرة من الوسائط الإعلامية. أهل الاختصاص سيدلون برأيهم، ندوات التلفزيون ستثير الحالة لتنوير الرأي العام، الصحف ستتابع تطورات الحادث في صفحاتها الأولى، منظمات المجتمع المدني ستهب لصد المخاطر التي تهدد المجتمع. ولكن بكل أسف عزيزي القارئ إذا أردت أن تعرف حقيقة ما جرى، فسوف تسمع روايات مختلفة سواء في عدد القتلى، أو علاقة المقتول بالقاتل، أو أسباب ما جرى وملابساته. وهذا الأمر ناتج من ضعف الإعلام الرسمي في إلقاء الضوء على حلقات الحدث التي لا بد أن تستوقف القارئ فضلاً عن المواطن، بل إنك إذا قارنت بين ما يُنشر في الصحف والمواقع الإلكترونية، فسوف تلحظ ذلك التفاوت في التهويل في المسألة والتهوين، بين من يتحدثون عن (ظاهرة) محدودة الحجم، ومن يتحدثون عن (حادثة) تشكل استثناءً على السلوك العام، لا قاعده له! وإن كان هذا الحدث لا يرقى إلى مستوى الظاهرة؛ فإن الظاهرة لا تهبط من السماء فجأة، لكن مثل هذه الحوادث تمثل إرهاصات تسبقها وتعلن عن قرب ميلادها. إن الأمر في مجمله من نوع غير مألوف في المجتمع السوداني، ثم إنه واقع في محيط إحدى المؤسسات المستقرة في بلادنا: القوات المسلحة. فإننا بهذا نرفع الحرج عن قوات شعبنا المسلحة، لإيقاف مثل هذه الملهاة، ليس فقط بمعيار الوعي العسكري، ولكن أيضا بمقتضى الالتزام الوطني والقومي. وعن (حوسبة العمل القضائي) سنحكي بإذن الله تعالى. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته