محاسن أحمد عبد الله سكران و(مخروش حبتين)! استقللت المركبة العامة ذات مساء في طريقي للمنزل، وكان أن نشب خلاف حاد بين الكمساري وأحد الركاب الذي كان واضحا من ملامح وجهه أنه (خارج الشبكة) –أو كما يقولون (سكران لط)- وعلى الرغم من ذلك ظل يكابر ويعافر كي يكون متماسكا (حركيا)، ولو لبعض الشيء بعد أن ظلت نظرات بعض الركاب ترمقه بشيء من النفور والبعض الآخر يُهَمْهِمُ قائلاً: (معقولة بس سكران وعينو قوية؟).. وهكذا حتى استفحلت المشكلة القائمة بينه والكمساري ما اضطر أحد الركاب للتدخل وتوجيه صوت لوم للسكران قائلاً له: (ليه يا ولدنا عامل في روحك كده؟.. ما في داعي للبهدلة؟).. وهنا جاءت الرد منه سريعا وغير متوقع كالصاعقة: (والله يا حاج كنت مخروش حبتين بس، لكن أصحابي حلفوا علي إلا أتمها بي كاس)!.. هنا قطعت جهيزة قول كل خطيب. حقيقة اندهشت وكل علامات التعجب شخصت أمام ناظري وأنا أحاول أن أستوعب ما سمعته من رد لهذا الشاب الذي مسح بسمعته وسمعت أبناء جيله الأرض وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر بعد، أي مستقبل يمكن أن ننتظره من أمثال هؤلاء؟.. كيف يستقيم العود وظل الأمنيات والطموحات أعوج؟.. وفوق كل ذلك من هو المستفيد أولا وأخيرا من الوجود الهائل للمخدرات في كل حارة و(زقاق) وغرفة؟ نموذج آخر تألمت له كثيرا عندما التقيت به بعد طول غياب وهو يطلب مني وبشدة أن أمنحه الأمان ليحكي لي بصدق عن ما اعتراه، فعلتها وحققت رغبته، وذلك من جانب إنساني بعد أن طغت عليه النزوات والشهوات، ومات كل إحساس جميل كان يعيشه داخل ذلك القصر الذي شيده والده من عرق وشقاء الغربة سنين عددا ليحيطهم بثراء مادي فاحش (مصاريف جامعة ومستلزمات وفسحة..إلخ)، ليكون الفائض للملعونة المخدرات بأنواعها المختلفة في ظل غياب الأم التي فضلت أن تكون بجوار الأب في دول الاغتراب حتى يستطيعوا أن يوفروا لابنهم معيشة هائنة بعيدة عن الضنك، لتحل محل الأم فتيات ماجنات ويتبدل كأس الحليب إلى خمر وطموحات النجاح لمتعة حرام وانكشف الحال لألتقيه داخل أحد السجون بعد أن حُكم عليه بالسجن عددا من السنوات، احتويت وجعه بداخلي بعد أن تنفس وغادرته وقلبي يتمزق ودمعي يتساقط وأنا أمسح دمع عينيه بيدي وما أقسى دمع الرجال! الأمر الذي يقلق مضاجعنا الآن، الانتشار المكثف والملفت للمخدرات ونسبة تعاطي الشباب لها بهذه الصورة الكبيرة، ذلك الأمر الذي أصبح يدعو للقلق والتوتر باعتبار أن من يتعاطاها قد يكون ابنك أو شقيقك أو ابن الجيران أو زميلاً في العمل أو الدراسة وغيرهم دون أن تعلم أو تعلم، ليكون المتضرر الأول والأخير هو المجتمع الذي نعيش فيه للأسباب المعروفة التي يمكن أن تنتج من التعاطي والتي تصل لدرجة القتل والسرقة والزنا وكل ما هو محرم في (دنيا الخيال الواسع). رسالتي لمن يتاجرون بتلك السموم: أنتم تحاولون (البصق) على لوحة جميلة من الطاقة الجسدية والفكرية وتدوسون عليها بقسوة لتسحقونها سحقا وأنتم غارقون في دنيا الكسب الحرام تنتابكم وساوس الشر. الأسرة الكريمة تحاول جاهدة بقدر الإمكان أن تتمتع بما يسرُّها ويمسح عنها تعب السنين ومعاناة الأيام، لضمان الاستمرارية دون دمار (مغلف) قد يحيل تلك السعادة إلى جحيم لا يطاق. لطفا ارفقوا بها وبأبنائها ولتعلموا أن الله حق. بدون قيد: عزيزي.. إنني غزوت فضاءات العشق بعيدا عن (مهدئات) مصالحك وعلى الرغم من الأحزان التي قيدتني وأذاقتني ألم مخاض الانشطار العاطفي واغتيال الأمنيات.. أنت الآن جسر الأمل الذي ستعبره قاطرة حبي في أمان