حمد النيل فضل المولى قرشي صدر حديثا في برلين كتاب بعنوان: (أحاديث برلينية) للدكتور حامد فضل الله عبد الرحمن قرشي، السوداني الام درماني، الذي شد الرحال لالمانيا الشرقية في العام 1957م طلبا لدراسة الطب في جامعة (هالا). وبعد التخرج واصل دراسته العليا بألمانيا الغربية ونال التخصص في طب النساء والتوليد. تزوج من رفيقة دربه (برجينه) ورزقا ابناء وبنين. يتكون الكتاب من (455) صفحة من القطع الكبيرة. أول ما يلفت النظر إلى الكتاب صورة الغلاف وهى لحائط برلين الذي أصبح الآن اثرا بعد عين، وأمامه جموع التواقين للحرية التي تكللت بتوحيد الالمانيتين لتصبح برلين عاصمة للدولة الموحدة. ورغم أن الكتاب من الضخامة بمكان إلا أنه جاء في تنسيق ممتاز وخلا من الاخطاء النحوية والإملائية وكل فكرة فيه جاءت في مكانها الصحيح وهذا مما يدل على أن الكاتب بذل فيه جهدا خارقا فاق حد التصور. أعتمد الكاتب في طرح كثير من الافكار النيرة على ترجمة أعمال ادباء مشهورين أو مفكرين وأساتذة كبار المان ولإجادته التامة للغة الالمانية التي بز فيها أهلها، فإن هذه الافكار قد كانت سهلة الاستيعاب لابناء الامة العربية الذين لا علم لهم ولا دراية باللسان الالماني. اثبت د. حامد فضل الله أنه عاشق من الطراز الاول لادب الطيب صالح، ويعتقد جازما أنه لولا روايات الطيب صالح لما عرف الآخرون أن بالسودان شيئا اسمه أدب عربي. نذكر أن هنالك كثيرا من المنتديات عقدت في المانيا وشارك فيها الكاتب بقوة للتعرف على الأدب السوداني ونجح في ذلك كثيرا، بل استقطب كتابا من الاقطار العربية الشقيقة للمشاركة في هذه الفعاليات. ساهم الكاتب في تأسيس جوائز للنابغين من أبناء العرب في كافة مناحي الادب والفكر وجائزة (ابن رشد) التي تنافس عليها أهل الثقافة والفكر تأرجحت ما بين الاخوة في سوريا والعراق ولبنان. عمل الكاتب منذ تخرجه وحتى إحالته للتقاعد، طبيبا للنساء والولادة، وظل هاويا للثقافة والأدب والفكر بنفس الحماس الذي يمارس به عمله الرسمى، ويمكننا أن نقول الآن إن دكتور حامد عبر من الهواية إلى الاحتراف في مجال الفكر، وصار كاتبا له شأن وله قراء كطبيب ممارس استطاع بمجهود جبار أن يقهر الالمان وأن يجبرهم على الاعتراف به لحد التميز ليكون جديرا بفتح مستشفى خاص به ولاقى في سبيل ذلك كثيرا من الاهوال ولم يسلم من التفرقة العنصرية. لكنه لم يستسلم للرياح العاتية وصمد كالجبال الراسيات. لم لا وهو ينطق بلسانهم وتشرب حضارتهم وجرت في دمه تماما واندمج في مجتمعهم حتى صار واحدا منهم، ولكن من غير الذوبان الكامل الذي وقع فيه البعض ليصبح وجودهم في المانيا محض تقليد فاقد للأصالة، اعترفوا به واعطوه حق ان يكون ممثلا لوزاره الصحة في منطقته ولو كانوا منصفين لمهدوا له الدخول الى البرلمان بل لافسحوا له المجال للتنافس في انتخابات اختيار مستشار المانيا. ذهب د.حامد لالمانيا ونهل من علمهم الغزير ونبغ في تخصصه الطبي وارتقى بهوايته للأدب والثقافة ليصير أحد صناع الثقافة بين العرب. ورغم كل هذا الزخم والنبوغ كثيرا ما يتواضع د. حامد ويذكر بين الفينة والأخرى بأنه فقط مجرد هاو للأدب وليس محترفا له. والذي يدهش في د. حامد أنه رغم هجرته الطويلة التي وصلت الآن لاكثر من نصف قرن في بلاد الألمان ورغم أنه تعلم الألمانية واجادها وصار يترجم منها وإليها بصورة رائعة، إلا أن لغته العربية لم تتأثر بل صارت أقوى على مدار السنين وربما يعود هذا لقراءته المكثفة بلغة الضاد. لم يعشق د. حامد، الطيب صالح فقط بل عشق درر صلاح أحمد إبراهيم الشعرية وعشق الحقيبة والشعر الكلاسيكى والحديث، وغير كتابه هذا ظهرت له قصص قصيرة في المجلات المصرية المتخصصة وأورد بعضا منها في كتابه (أحاديث برلينية) وربما يكون قد حاول قرض الشعر أيضا ولا ندري كم المسافة الآن بينه وبين وادي عبقر). اجتهد في كتابه أن يذكر بعضا من ذكرياته مع إخوة وأصدقاء له زاملوه في المانيا منهم من قضى نحبه ومنهم من طواه النسيان.. والبعض منهم ما زال حيا يرزق، يكابد ظروف الحياة التي لا ترحم. كم اتمنى من د. حامد أن يجهز ورقة من الآن عن الطيب صالح، سيكون شيئا جديا مختلفا لم تسمع به الاجيال الحالية. لاحظت من خلال تصفحي للكتاب أن د. حامد ركز على المانيا وكان نصيب السودان في كتابه قليلا، ولا أدري هل هو تقصير أم أن الوطن الأم سيظهر في الكتاب الثاني؟ على العموم المح الدكتور لذلك التقصير وقال صراحة إنه يعترف به ويزيد على ذلك بأن أديب السودان الاول الطيب صالح لا يسلم من هذا الاتهام. ظل د. حامد يعزف بصورة مكررة على وتر الحرية والديمقراطية والإنسانية ووصف نفسه بأنه علماني ثقافة وفكرا ويفتخر بذلك. عموما نبارك لدكتور حامد هذا السفر الكبير الذي يضعه في مصاف الكتاب العالميين ونرجو أن نلفت نظر القائمين على أمر قاعة الشارقة ليهتموا به ويفردوا له حيزا في تقديمهم للإصدارات الجديدة، خاصة وأن الكتاب قد وصلت نسخ منه لايدي بعض الشخصيات المهمة في مجال الفكر والأدب.. ونخص منهم د. حسن مكي ود. بهاء الدين على قرمبع. النادي الأمريكي للمخاطبة.