رجال الشرطة... مهمات نهايتها الموت! كتبت: هاجر سليمان يدور جدل قانوني كثيف في الفترة الحالية حول قانونية استخدام قوات الشرطة للسلاح والظروف التي يستخدم فيها السلاح؛ في الوقت الذي تؤدي فيه عناصر الشرطة واجبها المهني معرضين حياتهم للخطر والموت؛ يجدون انفسهم متهمين في دهاليز المسائلات القانونية. إلا انهم رغما عن ذلك يظلون ساهرين يتحسسون "بنادقهم الباردة" لتأمين المواطنين في منازلهم واعمالهم. تطورت الجريمة حالياً؛ واصبح المجرمون في العاصمة والولايات يستخدمون الاسلحة النارية؛ لكن كل هذا لم يكسر عزيمة الشرطيين حيث ظلت الشرطة تفرض هيبتها وسيادتها وتراهن على سيادة حكم القانون؛ بل وتؤكد بأن أمن المواطن والحفاظ على ممتلكاته خط أحمر لا يمكن تجاوزه؛ لاسيما وانه حق اصيل كفله له القانون والدستور الساري في البلاد وذلك طيلة القرن الماضى الذي مضى على عمر الشرطة رغم التباين في الاحداث والتسلسل الزمني، إلا أن شرخاً ما بدأ يلوح في الافق مؤخراً عقب صدور حكم قضائى بإعدام الملازم حامد قاتل عوضية عجبنا؛ حيث اعتبرت الشرطة أن حادثة القتل وقعت عن طريق الخطأ وان الملازم وقتها كان يقوم بواجبه المهنى تجاه حفظ الامن والاستقرار وفض تجمعات سكانية بالحي الذي شهد الحادثة؛ إلا أن القانون كانت له رؤية اخرى تتمحور في أن القتيلة كانت عزلاء وان الجاني استخدم القوة المفرطة المفضية إلى الموت كنتيجة راجحة لفعله. وسط ذلك الشد والجذب كان لابد للشرطة من وقفة خاصة فيما يتعلق بانفاذ القانون وحماية المواطنين واستخدام السلاح لفرض هيبة الدولة والتأكيد على سيادة روح القانون، تلك الوقفة تطلبت كيفية استخدام السلاح والظروف التى يستخدم فيها السلاح بل أن الامر ربما يقود بعض عناصر الشرطة للتضحية وتعريض حياتهم للخطر؛ وآخرها كانت حادثة مقتل اثنين من عناصر الشرطة واصابة آخرين برصاص احد اخطر معتادى الاجرام بالمنطقة الصناعية سوبا والذي وقع اواخر الاسبوع المنصرم. ضحايا الشرطة في حادثة سوبا الشهيرة حينما تم تحديد ساعة الصفر للمداهمة لم يكن للمتهم مكان معروف فقرر عناصر المباحث بفطنتهم أن يستخدموا مصدراً مقرباً منه ليرشدهم عن موقعه، وفى حوالى الحادية عشر تحركت عربة المباحث تقل عناصر الفريق وهى تشق صمت الليل بغية الوصول الى المتهمين للقبض عليهم وكانت التعليمات واضحة لديهم بأن لا يستخدموا السلاح إلا حينما يتطلب الامر ذلك؛ مما جعل كل واحد من عناصر القوة وحسبما يجول بدواخلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يتحسسوا اسلحتهم، وبعد أن سارت العربة لمسافة شرقى الخرطوم وصلوا الى منطقة مهجورة تقع شرقى مصنع "صافولا" بالمنطقة الصناعية سوبا -حسب وصف المصدر- وهنالك كانت المنطقة خالية عدا من بعض الرواكيب التى يقيم فيها بعض الخفراء وحرس المصانع؛ اقتربوا من احداها؛ ووقتها كانت الساعة تشير الى الحادية عشر والنصف؛ وما إن هبط عناصر الفريق ليقتربوا من الراكوبة إلا وانبرى لهم اشخاص أيقنوا تماماً انهم المتهمون المعنيون المطلوبون لديهم وقبل أن يفعلوا اي شيء تفاجأوا بالمتهم يطلق النار عليهم؛ وعندها لم يتمكنوا من استخدام اسلحتهم، فقبل أن يفرغ احد افراد المباحث من قول كلمة (ثابت) فاجأهم المتهم مصوباً بندقية كلاشنكوف ناحيتهم واطلق وابلاً من الرصاص ناحية الشرطة؛ ليسقط اثنين استشهدا في الحال بينما اصيب آخران سقطا ارضاً؛ وسالت الدماء شلالاً على الارض؛ واطلق المتهمون سيقانهم للريح إلا أن ما حدث لم يثنِ عناصر المباحث من متابعة المهمة بنجاح فواصلوا مطاردتهم للمتهمين وتمكنوا من القبض على اثنين من المتهمين؛ بينما فر مطلق النار ولازالت الشرطة تقتفي آثاره للقبض عليه. حادثة اخرى شهدتها ولاية نهر النيل حينما لقي شرطي مصرعه بطعنات من مخمور عند محاولته فض اشتباك، وأكدت السلطات بولاية نهر النيل مقتل الشرطي وكيل عريف أحمد تاج السر، المشهور بأحمد سلك بحي الوحدة بعطبرة. وتعود تفاصيل الحادث إلى استنجاد أسرة تقطن الحي بالشرطة بعد مشاجرة تمت مع مخمورين بالحي، الأمر الذي أدى إلى تدخل الشرطة التي أوفدت القتيل الذي حاول فض الاشتباك، وسدد أحد المخمورين طعنة له أودت بحياته ووري القتيل الثرى بمقابر عطبرة وتم القبض على القاتل. الموت طعنا حادثة ثالثة دارت تفاصيلها العام الماضى حينما استشهد العريف شرطة عبدالله حماد التابع لشرطة النجدة بعد أن تلقى طعنة من أحد أفراد العصابات المتلفتة. وكانت شرطة النجدة تلقت بلاغا عن طريق الإتصال بالرقم (999) من أحد المواطنين يفيد بوجود مجموعة من أفراد العصابات المتفلتة وهي تحمل الأسلحة البيضاء وترهب المواطنين وذلك بدار السلام الحلة الجديدة مربع (45)، تم تحريك وحدة النجدة لموقع البلاغ وإخطار شرطة محلية أمبدة وبعد وصول الوحدة وأثناء تعامل طاقمها مع أفراد العصابة تمكن أحدهم من تسديد طعنة قاتلة للعريف شرطة عبد الله حماد والذي توفي لرحمة مولاه أثناء اسعافه وحادثة امبدة التى وقعت قبل اسبوعين والتى اصيب اثرها (6) من عناصر الشرطة جراء تفجير قنبلة قرنيت من قبل متهمين اثناء مشاجرة نشبت بينهم تدخلت الشرطة لفضها بمنطقة نيفاشا بأمبدة. وايضاً حادثة مقتل شرطي اثناء مداهمة لاوكار خمور ببحري وغيرها من الحوادث التي راح ضحيتها عدد من عناصر الشرطة. تلك كانت الحوادث الفردية التى راح ضحيتها افراد من الشرطة اثناء فضهم لمشاجرات او اثناء القبض على متهمين او اثناء مطاردة عصابات؛ أما على الصعيد المنظم فإن هنالك عددا من الحوادث التي راح ضحيتها عناصر شرطة من جراء تعرضهم لاطلاق نار من قبل مليشيات موالية للجيش الشعبي كانت اشهرها حادثة الفتيحاب مربع (15) التي راح ضحيتها العقيد محمد عبدالعزيز رئيس قسم الحاج يوسف في العام 2009م الذى استشهد اثر اشتباكات بين قوات جيمس قاي والشرطة وكان على رأس قوة الشرطة الشهيد العقيد محمد عبدالعزيز وكانت القوة قد حضرت للقبض على (جيمس قاي) بعد أن قام بعض عناصر قواته باختطاف إحدى الفتيات من جنوب السودان وحررت أسرتها بلاغاً باختطافها من قبل قوات قاي وأثناء تنفيذ أمر القبض الصادر في مواجهته من قبل قوة الشرطة التي كان يقودها الشهيد؛ تمردت "عناصر قاي" وأطلقت الرصاص على عناصر قوة الشرطة مما أدى لمقتل قائدها العقيد شرطة محمد عبدالعزيز. وفى العام 2012م قامت ذات قوات جيمس قاي باطلاق النار صباحاً مما ادى لاستيقاظ اهالى الحى وهم مذعورين حيث تبين أن السلطات الامنية داهمت منزله على خلفية بلاغات تقدم بها مواطنو الحى عن تعرضهم لاعتداءات من قبل جيمس قاي وعناصره؛ الذين اعتادوا على اختطاف الفتيات والمواطنين الجنوبيين تحت مسمى اعتقالهم من قبل ما يعرف ب (محاكم السلاطين). وكان المواطنون قد أبلغوا عن امتلاك الرجل لآليات وأسلحة بمختلف أنواعها تشكل مهدداً أمنياً لأرواح وممتلكات المواطنين بالمنطقة لتتعامل الأجهزة الأمنية مع شكاوى المواطنين تعاملاً فورياً حيث تم تشكيل قوات ضربت طوقاً أمنياً على المنزل بغرض القبض على قاي فقامت قواته بإطلاق أعيرة نارية على عناصر القوة التي كانت تطوق المنزل الا أن احداً لم يصب بأذى. وغيرها من حوادث المليشيات التابعة للجيش الشعبي والتي سقط اثرها عدد من القتلى والجرحى من صفوف الشرطة اثناء محاولات تحرير رهائن او تنفيذ اوامر قبض او استرداد بعض المجرمين الذين كانوا يحتمون بتلك المليشيات. استخدام السلاح ويرى الخبير الشرطي والقانوني عبد الرحيم محمد عبدالرحيم حاج الامين أن الحوادث والاعتداءات على رجال الشرطة التى وقعت مؤخراً ونسبة لتطور الجريمة ستسبب مشكلة كبيرة تكون كارثة ذلك نسبة لضعف التشريعات القانونية المتعلقة باستخدام الشرطة للسلاح الناري؛ ووفقاً لقانون الاجراءات فان استخدم السلاح الناري من قبل الشرطة يجب أن لا يتم إلا في حضور وكيل النيابة او القاضي. إلا انه وفي بعض العمليات الشرطية والمداهمات لا يتوفر ذلك الشرط القانوني فلا يتواجد القاضي او وكيل النيابة؛ لذلك يكون رجال الشرطة حذرين في استخدام السلاح الناري خاصة وان القانون لا يحميهم مما يجعل حياتهم عرضة للخطر. ويضيف الخبير عبدالرحيم بانه في كل دول العالم وفي كل تشريعاتها نجد أن القوانين تجيز للشرطة استخدام السلاح الناري في حالة الدفاع عن النفس وفي المهمات الخطيرة؛ وهذا التقدير يرجع لرجل الشرطة؛ مشيراً الى أن ذلك سبب استياء عام لقوات الشرطة التي فطنت اخيراً الى انها تعمل بلا قانون يحمي ظهرها؛ على الرغم من أن هنالك مقترحات تم الدفع بها للبرلمان بأن يجيز امكانية استخدام الشرطي للسلاح دون وجود القاضي او وكيل النيابة في مناطق النزاعات فقط. ويمضي عبدالرحيم: وقانونياً يجب أن لا تقتصر تلك المقترحات على مناطق النزاعات فقط بل يجب أن تشمل كل المداهمات الخطيرة التي تقوم بها الشرطة وان تكون مسألة تقدير موقف او قائد الفريق الذي يقوم بالمداهمة؛ أضف الى ذلك أن الرجوع لاخذ الاذن باستخدام سلاح ناري يفقد الشرطة هيبتها؛ وهذا ما شعر به معتادو الاجرام وجعلهم يبادرون باستخدام السلاح قبل أن تستخدمه الشرطة. وبخصوص ما حدث في الحادثة الاخيرة يقول عبدالرحيم: كان يتوجب على الشرطة أن تستخدم فيها السلاح الناري خاصة وان المتهم الذي اطلق النار على الشرطة هو من اخطر معتادي النهب ويرتكب جرائمه بأسلوب حديث؛ حيث يقوم بإلقاء قطع خشبية عليها مسامير في الطريق الذى تسير به السيارات لتنفيس الاطارات؛ وبعدها يقوم باستخدام السلاح الناري واشهاره في وجه سائق العربة ومن ثم يقوم بنهبه؛ وهذا من اخطر اساليب النهب؛ و"الحرابة" حسب الشريعة الاسلامية يتطلب القبض فيها على مثل هذا المتهم منح الشرطة كافة الاستثناءات المتعلقة باستخدام السلاح الناري للقبض على مثل هذا المجرم الخطير، واضاف الخبير أن الشرطة تفاجأت بأن المتهم يحمل بندقية كلاشنكوف داخل العاصمة القومية وهى الحادثة الأولى من نوعها لمعتاد اجرام يتسلح بالكلاشنكوف وهي ظاهرة تتطلب الدراسة والتنسيق ودق ناقوس الخطر باعتبارها سابقة خطيرة جداً على المستوى الامني والمجتمعي التي تستدعي التنسيق الجاد بين الاجهزة الامنية مجتمعة لتفعيل القوانين.