عشية أمس اعتقلت الحكومة رئيس الهيئة العامة لتحالف قوى الإجماع الوطني فاروق أبوعيسى وكذلك القانوني أمين مكي مدني، بعد عودتهما بيوم واحد من أديس أبابا عقب توقيعهما على وثيقة "نداء السودان". خطوة الاعتقال فتحت باب التكهنات عن سيناريوهات العلاقة المستقبلية بين الحكومة والمعارضة ما بين التصعيد والتقارب. ظلت العلاقة بين الحكومة ومعارضيها من الأحزاب السياسية مشحونة بعوامل التوتر والشك وعدم الثقة على الدوام، وسيطرة العقلية الإقصائية على مواقفهم، فالتجارب بين الأطراف تؤكد فرضية انعدام الثقة، فالمعارضة بمختلف توجهاتها العسكرية والمدنية باتت دائمة الشك فى كل ماهو حكومي بل تشير دائماً إلى إحصائيات الاتفاقيات المبرمة معها ونكوصها عنها، في المقابل بات الشك يلازم الحكومة تجاه أي تجمعات ولقاءات تعقدها المعارضة، تلك الوضعية تكلست تجاهها كافة المواقف ولم تستطع الأطراف تعبيد جسر التواصل وردم هوة عدم الثقة بينهم، بناءً على ذلك لم تخيّب الحكومة ظنون الكثيرين عندما توقعوا تنفيذها لحملة اعتقالات ضد موقعي إعلان أديس أبابا، فقبيل أن يكتمل دوران عقارب الساعة بعد يوم من وصولهم قامت الأجهزة الأمنية في ساعة متأخرة من ليلة أمس باعتقال رئيس هيئة تحالف قوى الإجماع الوطني فاروق أبوعيسى ورئيس كونفيدرالية منظمات المجتمع المدني أمين مكي مدني والقيادي السابق بالمؤتمر الوطني فرح عقار وسط توقعات باتساع أعداد المعتقلين كما يقدر البعض. جدلية التصعيد ما حدث يفتح باب التساؤل عن سيناريوهات العلاقة بين الحكومة والمعارضة إلى أين تمضي، فالشواهد والقراءة الموضوعية تضعنا أمام احتمالات التصعيد، حال استبعاد لعب الحكومة على حبال التناقض بين قوى المعارضة أو حدوث تحول مفاجئ يقود إلى تقارب الأطراف، فمؤشرات التصعيد باتت واضحة من خلال توجيه نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبدالرحمن ودعوته للولايات لفتح معسكرات الدفاع الشعبي في كل الولايات.. أتى ذلك الحديث عقب توقيع إعلان أديس أبابا، والمؤشر الآخر هو حملة الاعتقالات التي ابتدرتها الحكومة.. في المقابل أعلنت قوى المعارضة على لسان أبوعيسى تمسكها بما تواثقت عليه، بخلاف ما حدث في تجربة الفجر الجديد التي تنصل منها ممثلو المعارضة عقب عودتهم للخرطوم، رغم صعوبة التكهن بمآلات ما تضمره الأيام للطرفين، إلا أن سيناريو التصعيد بات أكثر ترجيحاً، وفى ذلك يقول المحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري إن قراءة ما حدث بأديس أبابا يؤكد دخول المعارضة مع الجبهة الثورية في تحالف عسكري/ سياسي، ويضيف ل(السوداني) إن المعارضة الآن وضعت خطة متكاملة لإسقاط النظام عن طريق القوة، بحيث تتبنى المعارضة وتنزل لتحريك الشارع وإحداث ضغط مدني عبر المظاهرات وحال تصدت الحكومة إلى ذلك فإنها ستكون أمام مظاهرات محمية بالسلاح، ويلفت الساعوري إلى عملية تهريب السلاح التي ضبطت في العاصمة في أكثر من خمسة عشر موقعاً إلى جانب علاقات المعارضة مع معاشيي المؤسسة العسكرية، ويضيف:" العملية تبدأ بإطلاق نار ومن ثم يحدث تدخل إقليمي من الجنوب ويوغندا والشرق ومصر، ولاحقاً تدخل دولي من فرنسا". ويشير إلى طلب الولاياتالمتحدةالأمريكية من ليبيا السماح لها بعبور طائراتها الحربية، ويدعم الساعوري قراءته بعدم إشارة نداء السودان إلى الانتخابات، منوهاً إلى أن إسقاط الحكومة عبر ترتيب المعارضة سيكون هذه المرة من الخرطوم وليس الدلنج أو الفاشر. ويحذر الرجل من عواقب ذلك السيناريو لجهة أنه حال حدوثه فإنه يفتح حمامات الدم بالخرطوم ولا يستطيع أي شخص التحكم فيه. حديث الساعوري يرسم أوضاعاً قاتمة أمام المشهد السياسي بالبلاد، إلا أن المحلل السياسي د.عبدالرحمن أبوخريس يضعنا أمام فرضية أخرى تعتمد على ما تم في أديس أبابا، فهل ما تم هو تحالف لإسقاط النظام أم لحل مشكلة السودان، فالأول هو تحالف تكتيكي مرحلي ينتهي بإسقاط النظام ولا يستطيع الصمود لاحقاً بحيث تتفجر الخلافات فيما بعد أما الثاني فله البعد الاستراتيجي ويمتد عميقاً للغوص في أزمة الحكم بالبلاد، لكنه يرجح أن تحالف أديس لا يخرج عن كونه عملاً تكتيكياً لإسقاط النظام عبر تكامل آليات العمل العسكري والمدني، ويمضى أبوخريس مقراً بضبابية العلاقة بين الطرفين إلا أنه يعود ويؤكد اتباع الطرفين إلى خط التصعيد، غير أن وقائع الأحداث تبين بجلاء سعي الحكومة لتحجيم دور المعارضة والحد من تمددها وتحالفاتها لاسيما مع المجموعات المسلحة التي تنضوي تحت تحالف الجبهة الثورية، فيما ترى المعارضة ضرورة اتساع نطاق تحالفاتها وتعزيز مواقفها والضغط لإحداث حل سياسي شامل يحقق السلام العادل والتحول الديمقراطي ويمهد لفترة انتقالية تعقبها انتخابات تفضي إلى تحقيق السلام الاستقرار بالبلاد.