* عميد أمن (م) حسين بيومي: المُستهدف بحاويات المخدرات الدول الغنية وليس السودان لأنَّ بلادنا ينتشر بها الحشيش المعروف ب(البنقو) *خبير استراتيجي: السودان لديه حدود مع دول تُعاني من الاضطرابات مما يسهِّل عملية الاتجار بهذه السموم *تجار المخدرات الكبار يعملون بنظام الشبكات ويقسمون الأدوار فيما بينهم *اختصاصي علم نفس: الكميات التي يدور الحديث حولها كبيرة جداً.. وهذا أمر مقلق وينبغي التعامل معه بالجدية المطلوبة الخرطوم: محمود مدني- مشاعر أحمد في خِضمِ (أمواج) حاويات المخدرات (المتلاطمة) بولاية (البحر الأحمر)، رُبما مرَّ الكثيرون مرور الكرام على جزئية – خطيرة جداً- ذكرها رئيس فريق التحري في هذه القضية الشائكة، العقيد شرطة خالد محي الدين قناوي حين قال: (إنَّ التحريات وكل قرائن الأحوال تشير إلى أن هناك ثلاث شحنات سابقة من المخدرات دخلت البلاد ضمن بضاعة ذرة شامية استوردها نفس المتهم السوري أبو سطيف مصطفى عبر ميناء بورتسودان). صحيح أنَّ محاميي الدفاع عن المتهمين شكَّكوا في معلومات الرَّجُل حين سألوه :( وهل تجزم أن الشحنات السابقة بها مخدرات؟)، لكن الصحيح أيضاً أن المتحري ورغم أنه قطع بالقول:( ليست لدينا معلومات موثقة)، لكنه أكَّد في الوقت ذاته أن ثمَّة معلومات من الانتربول وإفادات للمتهمين وقرائن أمامهم – أى فريق التحري- تشير إلى دخول كميات من المخدرات في الشحنات السابقة. وبناءً على تلكم المعلومات (الإنتربولية) والإفادات والقرائن، لنا أن نتساءل: أين ذهبت هذه الكميات المهولة؟ هل تمَّ استهلاكها محلياً؟ أم تسرَّبت عبر حدود السودان البرية وما أكثرها إلى دول الجوار؟ أم يا تُرى (سافرت) إلى الخارج بنفس الطريقة التي أتت بها إلينا؟؟!!.. للإجابة على كل هذه الاستفهامات كانت السطور التالية: بلد البوَّابات المفتوحة..!! رئيس فريق التحري العقيد شرطة خالد محي الدين قناوي، قال أمام محكمة جنايات بورتسودان المُوقَّرة: إنَّ المتهم الأجنبي أبو سطيف السوري قام باستيراد ثلاث شحنات سابقة الأولى عبارة عن أربع حاويات بها حوالي (80) طن ذرة شامية، والثانية عبارة عن خمس حاويات بها (100) طن ذرة شامية في العام 2012م، والثالثة عبارة عن أربع حاويات بها نحو(84) طن ذرة شامية في ديسمبر 2013 م. أول ما يخطر بذهن المُتلقي هو لماذا تسرَّبت هذه الكميات الخيالية إلى دولة السودان بالتحديد؟ الإجابة حسبما قال بها ل(السوداني) المحلل الاستراتيجي محمد إبراهيم هي أن السودان لديه حدود مع عدد من الدول بعضها يعاني من الاضطراب مما يسهِّل من عملية الاتجار في هذه السموم، أضف إلى ذلك فإنَّ الرقابة على الحدود ضعيفة جدًا مما سهَّل من نقل تلك المخدرات بطريقة سلسة. ويتابع قائلاً : السودان بوابة مفتوحة على عدة جهات مثل غرب وشرق إفريقيا براً وكذلك لدول الخليج عبر البحر الأحمر أي أنه معبر ومركز للتسويق الداخلي بكميات قليلة ومن ثم الانطلاق نحو الجهات المذكورة آنفاً. اتساع رُقعة المُدمنين..!! ويرى كثيرون أن إلقاء القبض على حاويات المخدرات يعتبر نصراً للسلطات لكن من المؤكد أن مُجرَّد ضبط هذه الكميات له تأثيرات سالبة داخلياً وخارجياً وفي ذلك يقول الأستاذ محمد إبراهيم : إنَّ الأثر الداخلي يتمثل في اتساع رقعة المدمنين الشباب، وهم مورد بشري مهم. ويضيف: المدمن قد يتحول لمروج لتغطية ثمن الحبوب المخدرة التي في الغالب تتدرج في السعر، ومن السهل استخدامه في أغراض أخرى غير الترويج مثل (تجييشه) لصالح اعداء البلاد أو ربما ينضم لعصابات قطاع الطريق، لأن بعض الحبوب بها مواد منشطة. أما الأثر السالب – خارجياً- فيتمثل في تشويه صورة البلاد بين دول العالم الخارجي باعتبار أن مُجرَّد محاولة دخولها يعني سهولة التعامل والاتجار في المخدرات. (......) هؤلاء هُم المُستهدفون ويقول الخبير الأمني حسين بيومي ل(السوداني): إنَّ المُستهدف الأول بهذه الحاويات الدول الغنية، وليس السودان لأن السودان وكما هو معلوم للكثيرين ينتشر به الحشيش المعروف باسم (البنقو). وعن السبب الذي جعله يرجح هذا الرأى قال بيومي: لأنَّ المخدرات المضبوطة عبارة عن حبوب غالية جداً لا تستطيع الاغلبية شراءها، مع ملاحظة أن عدداً قليلاً جداً من أبناء الطبقة الغنية قد يستعملونها وهؤلاء لا يمكن أن تُخصَّص لهم مثل هذه الكميات الخيالية. أهل مكَّة أدرى بشعابها ويمضي العميد أمن معاش بيومي قائلاً: إن تجار المخدرات الكبار يعملون بنظام الشبكات ويقسمون الأدوار فيما بينهم، وتبدأ خطتهم من تأمين دخول البضاعة وهذه المهمة تترك للوسيط ويكون من الدولة التي ستصل إليها البضاعة ودورهم يبدأ بتقديم الرشاوي لسلطات جمارك تلك الدولة حتى يُسمح لهم بدخولها، وبعد ذلك ينقلون البضاعة لمناطق آمنة لأنهم (أهل بلد) وهم أدرى بالمخابئ، ويضيف بيومي (إذا كانت البضاعة ستنقل للبر إلى دولة أخرى فهم ينقلونها وينتهي دورهم في حدودهم الجغرافية وتنتقل المهمة للدولة المنقولة إليها). مشيراً إلى أن ما نشاهده في الأفلام يطبقه تجار المخدرات بحذافيره، فلديهم لغات خاصة (شفرات) يستخدمونها فيما بينهم يصعب على الآخرين فهمها. مؤكداً أنه إذا كانت المخدرات قادمة من لبنان فإن ذلك يجعل أمر كشفها ممكناً، لأنَّ التجار اللبنانيين يتنافسون في ما بينهم ويُبلِّغ بعضهم عن بعض وأحياناً يقبضون ثمن التبليغ من الدولة التي تصل إليها المخدرات. سلاح تدميري الفريق أول محمد بشير سليمان قال : ل(السوداني ) لا يختلف اثنان في أن السودان يُعدُّ معبراً لعدد من الدول وأيضاً مكاناً للاستخدام بدليل المخدرات المتداوله فيه، كما أنه دولة تجارية ومن هنا لا نستبعد أن تكون الحاويات السابقة قد تم تصديرها إلى الخارج. و من متوقع أن يتم استهلاك جزء منها داخل البلاد نتيجه للواقع المعاش والفراغ الكبير الذي يعيشه الشباب، كما أن هنالك عدة طرق يمكن أن يتم بها تهريب مثل هذه الكميات خارج البلاد سواء كان ذلك عن طريق البر أو الجو أو البحر كما أن التباطؤ في مثل هذه القضية وعدم معرفة تفاصيل أين ذهبت وكيف تمت إجراءات كشفها ومن المُخلِّص الذي قام بتخليصها؟ كل هذه الأسئلة في حال لم يتم الإجابة عليها بالسرعة المطلوبة فإنَّ ذلك يمثل سلاحاً تدميرياً للسودان بأسره. ما خُفى أعظم..!! ويقول د. نصرالدين إدريس الدومة، اختصاصي علم النفس السياسي بجامعة النيلين ل(السوداني): إنَّ القبض على كميات كبيرة من المخدرات في السودان أمر مقلق وينبغي التعامل معه بشيءٍ من الجدية، و بالرغم من وجود مؤسسات مختصة بهذا الجانب إلا أنَّ الأمر يحتاج إلى حراك مُجتمعي كبير. مشيراً إلى أنَّ المخدرات في السودان كانت تقتصر على نوع واحد فقط هو (البنقو) ولكن الآن تعددت الأصناف مما يُشير إلى أن السودان ماهو إلا دولة مِعبر لدول استهلاك. ونجد أكثر استخدامها يتم في الوسط الطلابي كما أنَّ الجهات المختصة بمكافحة المخدرات تحتاج إلى دعم كبير من الدولة. كما يجب أن نتعامل مع حاجتهم بشكل علمي من خلال الاستفادة من التجارب لأن الإدمان أصبح قضية مُركبة تُؤثر على أفراد الأسرة بشكل كامل فهو يحتاج إلى حراك مجتمعي مكمل لدور الدولة. وأشار الدومة إلى أنَّ الكميات غير المقبوض عليها هي أكثر من المقبوض عليها لذلك لابد من تفعيل القوانين لأولئك المتاجرين بمثل هذه السلع.