أسباب عديدة جعلتني أكتب هذا المقال مخاطباً وزير الإعلام الجديد المهندس/ عبد الله مسار أولها معرفتنا به إبان عمله في ولاية نهر النيل والياً عليها واطلاعنا على كثير من المواقف التي عالجها بشجاعة وجرأة وزادت ثقتنا فيه وهو يعتذر عبر الإذاعة المحلية لإجراء إداري شعر بأنه لم يكن صحيحاً بإعفائه أحد الإداريين والذي اشتهر بالنزاهة والصرامة والشدة في العمل، نعود لموضوع المقال الذي نتج من جلسة أكاديمية ضمت بعض زملائي أساتذة الإعلام في الجامعات السودانية وتجاذبنا فيها أطراف الحديث وجاءني شعور أن هذا الحديث ربما يلامس أشواق المهندس مسار وهو يبدأ رحلة جديدة للإعلام السوداني. الناظر للخارطة الإعلامية في السودان في كل أرجائها يلحظ بوضوح تجاهل شريحة أساتذة الإعلام بالجامعات السودانية في التخطيط للعمل الإعلامي وإشراكهم في قضاياه الكبرى فكبار الأساتذة هم الآن يحبسون خبرتهم وعلمهم داخل الأسوار وتجدني دائماً أتساءل أين البروفيسور/ حسن الزين والبروفيسور/ مختار عثمان الصديق والبروفيسور/ عبد الدائم عمر الحسن والبروفيسور حسن أحمد الحسن والبروفيسور/ المعز عبد الغني هلال والدكتور معتصم بابكر والدكتور بدر الدين أحمد إبراهيم، أين أساتذة الإعلام في جامعة أم درمان الإسلامية ووادي النيل والجزيرة والخرطوم وسنار وغرب كردفان وأم درمان الأهلية والرباط الوطني وأفريقيا العالمية وأين خبير الإعلام البروفيسور: عبد الرحيم نور الدين الذي يلبس جلباباً سودانياً و(عمامة) أينما حلت به عصا التسفار. إن مشاركة هذه الكوكبة في مؤسسات الإعلام السوداني لم تجد الاهتمام من جانب الحكومة وتظل تجربة الدكتور هاشم الجاز والدكتور عبد الدائم- الأول في المجلس القومي للصحافة الثاني في أكاديمية السودان لعلوم الاتصال والتدريب الإعلامي- تجربة ناجحة بكل المقاييس. استفادة وزارة الإعلام تكاد تكون معدومة، لأن إدارة المؤسسات الإعلامية في السودان منذ فجر الإنقاذ تدور في فلك أسماء بعينها تنقلهم من مؤسسة لأخرى ومن هيئة إلى هيئة أخرى، لقد أمضى هؤلاء الأساتذة معظم حياتهم في البحث والتنقيب والمعرفة وبالتالي هم أقدر من غيرهم في التواصل مع الآخرين، ورغم ذلك فإن وزارة الإعلام تتجاهلهم عند تعيين الملحقين الإعلاميين وعندما نريد تعيين مشرفين على المراكز الثقافية للسودان في الخارج، بل الذي يدعو للحيرة إن المجلس الاستشاري للوزير خالٍ تماما من أي أستاذ جامعي في الإعلام، وقد أثرَّ غياب العلمية في مضمون المادة الإعلامية في الإعلام السوداني فلا استطاع الإعلام الحفاظ على الهوية السودانية بكل ثرائها بالصورة المطلوبة ولا استطاع أن يعكس الصورة الحقيقية عن السودان فسجلنا رسوباً كبيراً في امتحان الرأي العام العالمي لأن (العجين) في حالة الإعلام السوداني يبحث عن (خبازين). إن الإعلام الجديد الذي أنتجته ثورة تقنيات الاتصال أحدث مفاهيماً جديدة فانهارت نظريات مثل نظرية (حارس البوابة) والتي تقول إن الإعلامي يمكن أن يتحكم في المعلومات بتمرير بعضها وحبس الأخرى لأغراض اجتماعية أو سياسية أو أمنية أو غير ذلك فقد عكست مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت في الثورات العربية الأخيرة أسلوباً ونمطاً جديداً في الإعلام فلم تصبح وزارة الإعلام تلكم البوابة الكبيرة التي تمر عبرها المعلومات التي تأتي عبر الفضاء وأصبح المتلقي يستنشق المعلومات، وفي ظل هذا الواقع لابد للبحث عن دور جديد لوزارة الإعلام بعيداً عن الرقابة والتسلط وهذا الأمر يقود إلى تبني الوزارة خطة عمل محكمة لترقية الذوق العام من حيث تدريب جيل من الصحفيين مشبعين بأخلاقيات. الإعلام السوداني بصفة عامة والصحافة السودانية بصفة خاصة بحاجة إلى استحداث التوازن في الطرح من حيث إتاحة الفرص المتعادلة لجميع وجهات النظر ذات الصلة بالموضوع نكتب إليك السيد الوزير وقد شهد الإعلام الولائي في السودان في العام 2001م أكبر مذبحة في تأريخه عندما قامت الهيئة السودانية للإذاعة والتلفزيون وتم نقل كل الكفاءات من الإذاعات والتلفزيونات الولائية إلى هذه الهيئة وتم فصل الإذاعات والتلفزيونات المحلية لتكون تابعة للولايات دون أي رعاية من المركز، لقد ساهم هذا القرار في تكريس الجهوية وغاب التخطيط الإعلامي للإعلام المحلي وعجزت الولايات عن التمويل وتلاشى دور الوسائل المحلية في التعبير عن القضايا الوطنية وهاجر منها من تبقى وأصبحت ميدانا للمتدربين الذين يتطلعون للعمل بالخرطوم. إن القرار الشجاع الذي ننتظره منك سيدي الوزير إعادة الإذاعات الولائية إلى الإذاعة الأم والتلفزيونات الولائية إلى التلفزيون الأب بالتنسيق مع الولايات لتساهم جزئيا في التمويل بينما يكون أمر التخطيط للإعلام بالمركز حتى تساهم هذه الوسائل في قضايا السلام والتعايش بنفس وروح واحدة. نكتب إليكم سيدي وزير الإعلام ومن المخجل أن يسجل التاريخ (7) أفلام سينمائية روائية فقط قام بإنتاجها السودان كان أولها فيلم آمال وأحلام الذي أنتجه المبدع الرشيد مهدي في العام 1966م وكل تلكم الأفلام كانت بمجهودات فردية دون تدخل الدولة، لقد آن الأوان لنقدم أفلام روائية عن تاريخنا منذ السودان القديم مروراً بالسلطنة الزرقاء وحكايات وقصص البطولات في فترات الاحتلال ثم الثورة المهدية ورواد الاستقلال والحكومات الوطنية حتى جيل اليوم، كما أن السودان ثري بالمدخل الثقافي والاجتماعي الذي يمكنه من إنتاج العديد من الأفلام الروائية. إن الذهاب إلى المسرح والسينما مقياس لمستوى الرقي وعندنا في السودان تضاءل رواد المسرح وأغلقت السينما أبوابها وأصبحت تعرض الأفلام ذات المضامين الهابطة. ابحث سيدي الوزير عن السينمائيين السودانيين واستمع إليهم ستجد عندهم الكثير. وسائل الإعلام السودانية بصفة عامة تعاني من مشكلة (خرطمة) المضمون الإعلامي الأمر الذي يؤثر في قوميتها فطالما كانت هنالك (صفحة للولايات) بالصحف ستظل الولايات كأنها ضيف يخصص له مكان في (ديوان) الصحافة دون أن تكون مكون أساسي لروح الصحيفة ونبضها، وهنا لابد لي أن أتبنى توصية الملتقى التفاكري الأول لقيادات الإعلام بالولايات الذي انعقد في يوليو من العام الماضي ببرج المعلم بالخرطوم ودعا إلى إنشاء فضائية "السودان ... البلد الواحد" لتكون قناة للولايات تعكس عبرها نشاطها الثقافي والاجتماعي والسياسي في صورة تعبر عن التنوع والانسجام ومن واجب وزارة الإعلام في المرحلة المقبلة التصدي لهذه الفكرة والعمل على التنسيق بين الولايات لدعم هذا المشروع خاصة بعد الفشل الذي لازم القنوات الفضائية الخاصة رغم أن هنالك قنوات تسعى للنجاح بخطى ثابتة. المرحلة القادمة تتطلب وضع إستراتيجية تعتمد على مخرجات علمية تضمن الانسجام بين وسائل الإعلام المركزية والولائية وذلك وفق تشريعات إعلامية جديدة تعمل على تطوير العمل الصحفي والإذاعي والتلفزيوني بما يضمن قومية المؤسسات الإعلامية وتحديد مناطق الفقر الإعلامي بالسودان وتوطين المؤسسات الإعلامية. أيضا لابد من إنشاء مراكز إنتاج إعلامي بتلفزيونات الولايات واعتبارها داعما أساسيا للفضائية السودانية وتطوير المجالس المهنية الخاصة بالعمل الإعلامي. لقد آن الأوان للإعلاميين في السودان أن يشاركوا بفاعلية في شكل ومضمون الإعلام في الدستور القادم بالبلاد فقد ظل السياسيون هم الذين ينظرِّون في هذا المجال دون الاعتبار للقضايا المهنية وعليه فإن واجب الاتحادات الصحفية والجمعيات الإعلامية وأساتذة الإعلام التصدي لهذه القضية وإبداء رؤيتهم بكل موضوعية. تظل واحدة من المهام الكبرى التي تنتظرك سيدي وزير الإعلام هو عكس الصورة الحقيقية عن السودان في الفضاء العالمي. أختم مقالي هذا سيدي وزير الإعلام بالدعاء والتوفيق لكم وأنتم في جولات تعريفية عن مؤسسات الإعلام في السودان وفقكم الله وسدد خطاكم. د. هشام محمد عباس أستاذ جامعي في الإعلام هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته 1