القصة حزينة ومحشودة بالعبر والعظات، عاش (إسماعيل) مغترباً في دولة قطر، منذ قرابة النصف قرن ولم يكن له عشيرة ولا أهل ولا أقرباء، مضت سنوات حياته الطوال قاسية عليه وهو وحيداً محروماً من دفء الأسرة والعائلة، فأمضى سنوات عمره وهو كهلاً في دار رعاية المسنين، لايعرفه ولا يسأل عنه أحد سوى المسؤولين بالدار الذين أصبحوا أهله وعشيرته بعد أن قست عليه الحياة وكشرت في وجهه أنيابها، وتركه الاقارب والأحباب وإنفضوا من حوله. فعاش وحيداً حزيناً، كبر سنّه ووهن جسده، وإشتعل الرأس شيبا، ورقَّ عظمُه، واشتاق لولد يأنس به وتقر به عينه، فلم يكن حوله ! وعندما جاءت لحظة الموت لم يكن حول العم (إسماعيل) أحداً، فإغرورقت عيناه بالدموع تأثراً، و امتلأت بالدَّمع الغزير تألماً. لكنها نعمة الإسلام ومروءة أهل الخير حيث هرع المئات من جميع الجنسيات، ومن مركز رعاية المسنين والعاملين فيه، ومن الجمعيات الخيرية والمتعاملين معها ومن أهل الخير الذين تضج بهم طرقات المدينة لتشييع جنازة (إسماعيل) إلى مثواه الأخير عاش (إسماعيل) وحيداً منسيّاً، فأكرمه الله بجنازة مهيبة كأنه من الأعلام المشاهير الذين يشار لهم بالبنان، جنازة لم تشهدها الدوحة من قبل، فشيعه المئات وعوضوه غياب الأهل والاحباب، بعد رسالة (قصيرة بالواتساب) تدعوهم لتشييع المُسن (الغريب) الوحيّد، فأشعلت الرسالة حماس أهل الخير وأحزنت القلوب وأدمعت العيون فهب الناس من كل حدب وصوب !! لقد أكرمه الله تعالى في مماته بجنازة صارت حديث الإعلام والناس الذين شيعوهوا وودعوه وأكرموه (إكرام) الشهداء والأجلاء، وقد مشى في جنازته شتى ألوان الطيف من العلماء والشيوخ ورجال الدين والأساتذة والمسؤولين، كانوا جميعهم في وداع (اسماعيل) الرجل الغريب الفقيد الفقير، الذي عاش منكسراً مهموماً حائراً طوال حياته، تخلت عنه الدنيا وأهلها، ولكن الله لم ينسه فكرمه خير تكريم وهو يقابل وجه ربه العزيز في أبهى حلة وزينه محمولاً فوق الاكف الرحيمة، فقد تتدافع الرهط لحمل (جثمان) إسماعيل ساكن (دار المسنين) عقوداً من الزمان في طي النسيان والآن، أصبحت سيرته ملء الأسماع، وقصة حياته ووفاته درساً قاسياً وحزيناً وعظيما للانسانية وتذكرة وعظة في الدنيا. لقد تجسد الخير في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بهذا الحشد من أهل الخير الذين تقدموا تشييع الجثمان وصلى عليه المئات، ذلك العبد الفقير الذي مضى لا يحمل غلا ولا حسدا، كما لم يترك شيئاً من متاع الدنيا الفانية، عاش غريباً وحيداً ً حتى احتضنته هذه (الدار) التي رحل منها حزيناً منكسراً، فاختاره الله إلى جواره يوم (الجمعة) الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة وقاه الله عذاب القبر)، رحل (إسماعيل) وترك حزناً دفيناً وأسى في قلوب الجميع لما قدمه من درس بليغ، سائلين الله له جنات النعيم. إلى لقاء بقلم : محمد الطاهر العيسابي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته