مصطفى عبد العزيز البطل هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته (1) قالوا لرجل مسطول إن قوات الجبهة الثورية ضربت النيل الأزرق، فرد منزعجاً: "لعل نسرين ونعمة وتسابيح ما جاتن عوجة". وفي تلك الطرفة ما يؤكد طبيعة ومقدار الارتباط الوجداني التلقائي للكثيرين بقناة النيل الازرق، والدور الذي تلعبه في حياة السوادنة. (2) من أقوال الفرنجة المأثورة: (If it is not broke, don't fix it) وترجمتها الحرفية: (إذا لم تكن مكسورة فلا داعي لإصلاحها). وتلك فيما يبدو هي الثيمة المركزية (وأحمد الله أن جاءتي الفرصة أخيراً لأستخدم كلمة ثيمة هذه فأدخل مع الداخلين من عتاة المثقفين الى سقيفة بني ثقيف). أقول ظلت هي الثيمة المركزية في طروحات الكتاب الصحافيين الذين هبوا مؤخراً، هبة رجل واحد، للتعبير عن استنكارهم للتغيير المحدود الذي أجراه مجلس الادارة الجديد لقناة النيل الازرق، والذي طال موقعاً واحداً فقط، لا غير! وقد رأيت الهبة تتطور الى حملة منظمة تصور للناس أن الارض قد فسدت، وان السماء تكاد تنطبق عليها من هول ما اجترأت عليه القيادة الجديدة لتلك المؤسسة الاعلامية. بحسب هؤلاء فإن النيل الازرق مؤسسة ساطعة، احرزت نجاحاً فاق التصور وجاوز المدى. وبالتالي فإن قيام مجلسها الجديد بإحالة مدير البرامج الحالي الاستاذ الشفيع عبد العزيز الى موقع استشاري وتعيين مدير جديد للبرامج، خطوة ابليسية ملعونة، تعوزها البركة وتؤذن بشرٍ مستطير. ولكنني عندما توغلت في قراءة الكتابات الناقدة، وجلها لصحافيين ذوو قامات، وجدت فيها رهقاً وعنتاً، إذ التوى علىّ منطقها واستعصى، فأنكرت بعضه، وارتبت في بعضه الآخر، ثم وجدت نفسي على الضفة الاخرى من هؤلاء الأحباب. (3) قناة النيل الأزرق بغير جدال افضل بكثير من القنوات السودانية الاخرى، لا سيما القناة الحكومية الرسمية، ومن الطبيعي أن ينعكس ضعف البدائل المتاحة عليها رواجاً وانتشاراً. ولكن أن توصف تلك القناة بالنجاح الذي ليس بعده الا الحمد فذلك من التجاوز الفالت، والتنطع الذي يقفز فوق أسوار الموضوعية. أين هو ذلك النجاح الذي لا خيبة بعده؟ وماهي معاييره؟ الواقع انني ظللت ولعهدٍ طويل أسمع وأقرأ نقداً متواتراً من جهاتٍ تندُّ عن الحصر تأخذ على النيل الازرق اضطراب مكوناتها وهشاشة مضموناتها، وقلة كسوبها في مضامير التنمية السياسية والتوجيه الثقافي والاجتماعي الجاد. وتعيّرها بأنها قناة هازلة، مبلغ علمها وأكبر همها الطبل والزمر ورنين المعازف. لا تنقر بابها إلا وتسمع لهو الحديث، ثم لا ترى القوم في عرصاتها الا وهم متمايلون، ومن حولهم الكمنجات والأعواد والدفوف والطنابير. فأين ذلك من الكمال الذي يصعّر خده أمام الاصلاح؟ وأين هو من الفخار الذي يتأبي ويعزّ عليه أن يتواضع أمام نداء التغيير؟! قلنا إن التغيير الذي أثار كل هذا الغبار لم يطل غير مسئول واحد فقط سمّيناه. وأنا أغبط ذلك المسئول، إذ اتصور انه يتوفر على صفات انسانية فريدة ومهارات شخصية مجيدة، جعلته يحظى بسيول المواقف وفيوض العواطف التي رأيناها عند مريديه وخلصائه المتدافعين لإظهار الفضائل ورد الديون والجمائل. وإلا فما هو تفسير هذه الحملة التضامنية العارمة التي صورت لنا الأرض من غيره كئيبة جديبة، لا خير فيها. ثم جردت خلفه، الاستاذ عمار فتح الرحمن شيلا، من كله قيمة، وجعلت منه صبياً غريراً تائهاً، يتعثر في كتف الطريق وهو يبحث عن ثوب أمه ليتعلق به! (4) لا أظن أن الحملة ستبلغ مرادها، ففي نهاية المطاف لن يصح الا الصحيح. لن يغني أحبابي هؤلاء شيئاً أن يشيعوا عن الشاب الطموح ذي العقل المتوقد، عمار، أنه صغير السن وأن سقفه المهني توقف عند موقع مراسل لقناة الشروق بالقاهرة. أما علم هؤلاء أن مجلس قناة الجزيرة، أنجح وأقوى الفضائيات العربية، أصدر من قبل قراراً بتعيين وضاح خنفر مديراً عاما للقناة، وكان اعلى موقع تولاه في حقل الاعلام هو مراسل الجزيرة في جنوب افريقيا؟ وقد شهدت القناة تحت قيادته طفرات نوعية تحدثت بها الركبان. وقبل فترة جرى تعيين ياسر ابوهلالة مديرا عاما للقناة ولم يكن قد تولى قبلها اكثر من وظيفة مراسل بمكتبها بالعاصمة الاردنية. و(الجزيرة) تحت قيادته اليوم في عزّ وسؤدد. أما علموا أن أشهر نجوم الاعلام الامريكي جورج ستافونوبولوس، صاحب البرنامج الأكثر مشاهدة (صباح الخير يا امريكا) على قناة اي بي سي ، كان يبلغ من العمر 28 عاماً عندما كلف بالاشراف على حملة الرئيس بيل كلينتون الانتخابية. ثم تسعة وعشرين عاما عندما دخل البيت الابيض وشغل وظيفة كبير مستشاري رئيس الولاياتالمتحدة للسياسات والاستراتيجية؟ (5) يا قوم، ها قد أظلكم عصر الاعلام الوجدوي. فمن سمع منكم اسم وجدي ميرغني، وتطلع في سيرته الذاتية، وعرف كيف بنى أمجاد امبراطوريته الاقتصادية، فسيعلم بغير شك أن زمان (شيلني واشيلك) قد انتهي وولى، وأن لكل أوانٍ رجال! ----------- *من قصيدة "السُراي" للشيخ الطريفي.