كثيرا ما انتقد الناس الجامعة العربية وإخفاقاتها في العقود الماضية خاصة تجاه القضية الفلسطينية وغيرها، ولكن يبدو أن جامعة ما بعد الربيع العربي قد صار لها شأن آخر فقد نجحت لأول مرة في إسقاط نظام الطاغية القذافي وأبنائه عندما كاد أن يسوي بنغازي وسكانها على الأرض ويجهض أعظم ثورة ليبية. والآن تقوم الجامعة العربية بدور إيجابي فاعل في المشكل السوري حيث يتعرض شعبه الثائر من أجل الحرية والكرامة والعدالة إلى أبشع صور التنكيل والقتل والظلم على يد نظام البعث السوري بعصابته الحاكمة وبجيشه وشبيحته المجرمة قتلت من الشعب السوري وجرحت وشردت أكثر مما فعلته إسرائيل في غزة وغيرها. تحركت الجامعة العربية تحركا ذكيا وحكيما في سوريا – ربما يصفه البعض بالسلحفائية – ولكن يبدو أن تعقيدات الوضع السوري داخليا واقليميا ودوليا لم يمكنها من نفس تحركها في ليبيا حيث تخلى الجميع حتى الروس والصينيون عن القذافي عندما تأكد لهم سقوطه المحتوم (أو عنصر المصالح البترولية!) فحدث ما حدث. أعتقد جازما أن الجامعة العربية قدمت فرصة جيدة للنظام السوري ليتخذ القرار المناسب الذي يجنبه مصير نظام القذافي فخارطة الطريق السياسية التي تقوم على ابتعاد الرئيس بشار الأسد وتفويض صلاحياته لنائبه مثلما فعل الرئيس اليمني صالح إثر المبادرة الخليجية تشكل أول مخرج للنظام، كما أن تشكيل حكومة وحدة وطنية تشترك فيها جميع القوى السورية بما فيها النظام برئاسة شخصية محايدة ثم وضع قانون للانتخابات وإجراء منافسة برلمانية ورئاسية وفق طريقة وفترة زمنية مناسبة في ظل نظام ديمقراطي تعددي كلها تشكل مخرجا للوضع السوري الخطير الذي سينزلق حتما في فوضى عارمة وحرب أهلية بل إقليمية لا تبقي ولا تذر، ومن المؤكد أن النظام السوري سيدفع أول مستحقاته وحينها لن يجد الرئيس بشار ولا (السوبر تنظيم) وعلى رأسه إخوانه وأسرته والحرس القديم القابض على زمام الأمور السورية بقوة الحديد والنار وأجهزة الاستخبارات والأمن وهي آليات لم تعد لها الفاعلية في ظل تردي الأوضاع السورية وغضب وثورة الشعب السوري الذي وصل حد الانفجار، وحتما لن يرجع الوضع القديم للنظام البعثي مهما حدث خاصة بعد قرارات الجامعة العربية الأخيرة وتداعيات الموقف الدولي فحتما سيتغير الموقف الروسي والصيني اللذين يدركان جيدا حقيقة الوضع الدولي المعقد ومصالحهما المستقبلية، ذلك أنهما إذا أصرا على دعم النظام السوري المنهار –حتما- فإن مصالحهما في المنطقة ستتضرر حتما وسيتراجع دورهما سورياً وعربياً وإسلامياً ودولياً. أما إيران وحزب الله فمهما فعلوا فلن يجعلوا النظام السوري باقيا وستفقد إيران وضعها ومصالحها تماما وكذلك حزب الله. أما حماس فالأفضل لها ألا تتدخل لصالح النظام البعثي فإذا فعلت فستفقد كثيرا جدا. لذلك على إيران وحزب الله أن يراجعا موقفهما سريعا فقطار سقوط النظام السوري قد تحرك بوتيرة متسارعة مثلما حدث لنظام صالح وقبله القذافي وغيرهم كما شهدنا رغم ما ادعوا جميعا أنهم باقون فالبقاء للشعوب وليس للأنظمة الفاشلة الفاسدة المستبدة وزعاماتها الكاذبة التي انعزلت عن نبض شعوبها وتعفنت بعد أن أصبحت أسيرة للتقارير الرسمية الكاذبة المضللة التي تقول للحاكم: كل شيء تمام. ألا يذكر الناس كيف انعزل النميري آخر أيامه حتى صرح أنه (لا حد يشيلني)؟ المشكلة أن الحكام العرب لا يتذكرون قول الله عز وجل ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) ولكنهم يظنون أن أجهزتهم الرسمية هي التي تثبت الملك وتقارير المنافقين هي الصحيحة المضللة لا الواقع المؤلم.