عبد المنعم عبد القادر عبد الماجد إبان العهد الديمقراطي الذي كان يقوده الزعيم إسماعيل الأزهري "بطل الاستقلال" كانت الدائرة الجنوبية بل الدائرة الانتخابية الجنوبية التي كانت تشمل القوز والسجانة والرميلة واللاماب وغيرها من المناطق الجنوبية، فاز في هذه الدائرة الزعيم يحيى الفضلي والزعيم محمد جبارة العوض، أطلق الزعيم الأزهري على هذه الدائرة "الدائرة الجنوبية" إذ إن لجنة الدائرة كانت تتخذ القرارات دون الرجوع إلى قيادة الحزب لذلك أطلق عليها الزعيم الأزهري اسم "الدائرة الجنوبية" وكانت كل القرارات التي تتخذها لجنة الدائرة قرارات حكيمة وصائبة أثلجت صدر الزعيم الأزهري لذلك كان الأزهري يتفقدها باستمرار ويجتمع بلجنة الدائرة ويترك لهم الخيار ولا يفرض عليهم أي مرشح إنما الدائرة هي التي تختار وترشح من تريده فكان لا يتدخل في شؤونهم وهذه هي قمة الديمقراطية وحتى انعقاد المؤتمر العام للحزب كان بكل طريقة ديمقراطية لأن أساس الحزب وقواعده كلها قواعد مبنية على الممارسة الديمقراطية السليمة لذلك ظل الحزب الاتحادي وقتها يتمتع بشعبية وجماهير عريضة كانت تسد عين الشمس -إن جاز لي قول ذلك- وظلت الجماهير الاتحادية داخل الحزب الاتحادي الأصل تنادي بعقد المؤتمر العام للحزب منذ سنوات بل إن قيادات عليا اتحادية طالبت منذ فترة طويلة بعقد المؤتمر العام وطالبت بمؤسسية ديمقراطية داخل الحزب حتى قرأنا بالأمس القريب الحوار الذي أجرته الزميلة "التيار" مع القيادي الاتحادي البارز والمميز الأستاذ كمال ناصر الذي يعتبر من القيادات الاتحادية التي لها وزنها السياسي والشعبي، ظل سيادته يعمل على جمع الصف الاتحادي وكان من الاتحاديون الأوائل الذين طالبوا بعقد المؤتمر العام وترسيخ الديمقراطية وبناء حزب قاعدته المؤسسية الديمقراطية وليس قاعدة القرارات الفوقية التي أضرت ضرراً بالغاً بالحزب وجعلته في مؤخرة طابور الأحزاب بسبب غياب المؤسسة والديمقراطية وأصبح الحزب تديره الشلليات التي تهيمن على قيادة الحزب بمباركة قيادة الحزب، الأمر الذي استفز مشاعر بعض القيادات الاتحادية التي كان لها موقع سياسي مرموق في واجهة الحزب وحينما شعرت هذه القيادات أن القرارات تتخذ على طريقة حكم الفرد حاولت هذه القيادات إصلاح ما يمكن إصلاحه وواجهت قيادة الحزب بهذا الخلل السياسي لإصلاحه لكن هذه القيادات الاتحادية لم تجد أي تجاوب من قيادة الحزب فاضطرت هذه القيادات لترك موقعها بالحزب الاتحادي وانسحبت نهائياً من الحزب بعد أن فقدت الأمل في عملية الإصلاح السياسي، ثم عندما ظهرت مسألة "التوريث" ازداد الأمر تعقيداً داخل دهاليز الحزب الأمر الذي اعتبره الآلاف من الاتحاديين بدعة طائفية لا تشبه الاتحاديين ولا حتى الختمية أنفسهم الذين اعترض بعض قادة الطريقة على كيفية تسيير دفة الحزب الاتحادي فمنهم من انزوى بعيداً عن الساحة السياسية والساحة الصوفية معاً لأن هؤلاء لم يعجبهم مسار الحزب ومنهم من جاهر وشجب طريقة سير الحزب سواء بالبيانات التي أصدروها أو بالتصريحات الصحفية إلى غطت مساحات بعض الصحف ثم إن كل مناداتهم ومطالبهم قيادة الحزب بعقد المؤتمر العام وآخر هذه القيادات الاتحادية التي طالبت بعقد المؤتمر العام هو الأستاذ كمال ناصر الذي بح صوته وهو ينادي بعقد المؤتمر العام للحزب فالذين تشبعوا بالمبادئ الاتحادية التي غرسها رواد الحركة الاتحادية من الرعيل الأول في النفوس لا زالت هذه المبادئ الوطنية تهز الكثير من الاتحاديين من أعماقهم حتى أصبحت هذه المبادئ أنفاسهم بل عطر أنفاسهم وشهيقهم وزفيرهم فكل الأصوات الاتحادية التي غردت داخل السرب الاتحادي وطالبت بعقد المؤتمر العام هذه الأصوات الوطنية لم تجد دعوتهم الاتحادية النابعة من صميم قلوب اتحادية آمنت بأن لا نهضة سياسية للحزب الاتحادي إلا بقيام أو بعقد مؤتمره العام هذه الدعوة الاتحادية المجردة من كل الأهواء الذاتية والمصالح الشخصية هذه الدعوة الوطنية للأسف الشديد لم تجد أذناً صاغية لها تستوعبها أو ترحب بها لدى قيادة الحزب ولست أدري لماذا حتى الآن ترفض قيادة الحزب عقد هذا المؤتمر العام؟ وهذا حق شرعي من المفترض تحقيقه ودستور الحزب كفل لهم هذا الحق الشرعي الدستوري ولكن رغم ذلك ظل رئيس الحزب لا يعير هذه الدعوة أي اهتمام ويتجاهلونه وكلما طالبت القيادات الاتحادية بوحدة الحزب الاتحادي تصل إلى آذانهم الإجابة المعروفة لدى كل الاتحاديين "الحزب موحداً منذ عام 1967م، وهي إجابة ضعيفة لا معنى لها بل هي نصف إجابة وليست إجابة كاملة ولفظها الاتحاديون إلى غير رجعة فلما إذن ترفض قيادة الحزب عقد المؤتمر العام إذ إن الحزب بلا عقد مؤتمر عام له يعتبر حزبا ذا أجنحة مهيضة كطائر لا يستطيع الطيران في أفق السودان فيصبح كسيحا وهذا ما نشاهده الآن على أرض الواقع الاتحادي خاصة بعد دخول الحزب حلبة المشاركة في السلطة ولا ندري ما الفائدة السياسية التي سوف يجنيها الحزب من هذه المشاركة فالثمار قد تجنيها قيادة الحزب شخصياً لكن السؤال المطروح الآن على الساحة الاتحادية ما هي الفائدة السياسية التي سوف تعود للحزب الاتحادي؟ لا شيء البتة فقد أصبح الحزب أضحوكة سياسية بين عامة الناس لأن واجهة الحزب لو كانت امتداداً لمؤتمر الخريجين لما وقعت هذه المهزلة إطلاقاً فمثلاً الحزب الاتحادي الديمقراطي الموحد، بقيادة الدكتورة جلاء الأزهري هذا الحزب هو الامتداد الأصلي والواجهة الاتحادية الأصيلة لمؤتمر الخريجين وأرى في وجوه قادته قسمات وملامح الزعيم الأزهري والفضلي والرفاعي والمرضي والمفتي ونور الدين ونصر الدين وأبو حسبو وحسن عوض الله، وزروق وخضر حمد وحماد توفيق وغيرهم من عمالقة الاتحاديين ودهاقنة السياسة إنهم أصالة التاريخ الذين صنعوا تاريخ واستقلال هذا الوطن أودعوه النزاهة والأمانة والصدق وحصنوه بالعدالة وصانوه بالوحدة الوطنية وحافظوا على أرضه وترابه بالغالي والنفيس. ما انتكست لهم راية أو سقطت عنهم إرادة وطنية وكانت كل دعواتهم الوطنية تهز قناعاتنا جميعاً وكانت منابرهم السياسية لا يتوقف عنها تيار احتراف الحق والحقيقة، فإن اخفقوا في عملهم الوزاري اعترفوا بذلك وإن تفوقوا في أداء عملهم الوزاري أو غير الوزاري لا يتحدثون عن تفوقهم أو عن إنجازاتهم يعملون في صمت بعيداً عن الأضواء ديدنهم وهدفهم الأول والأخير هو مصلحة الوطن وهموم الجماهير يحملونها على ظهورهم ليطرحوها على مائدة عملهم السياسي لمناقشتها وإيجاد الحلول الناجعة لها، فأين نحن الآن منهم؟ رفعوا شأنه محلياً ودولياً ورسموا اسمه في قمة قائمة أسماء الدول الديمقراطية في العالم وكتبوا عنوانه "عاش السودان وعاش المؤتمر" إشارة إلى مؤتمر الخريجين وهي العبارة التي كان يختم بها الأستاذ محمد عامر بشير "فوراوي" مقالاته الصحفية فأين الأستاذ عوض عبد الرازق وعرفات محمد عبد الله دهاقنة القلم والقرطاس؟ إن ذاكرة التاريخ مليئة بالفرسان أيام زمان فما أحوجنا اليوم للسير على خطى هؤلاء الأفذاذ الذين كانوا يحملون هموم الوطن قبل هموم فلذات أكبادهم وثمرة فؤادهم إن الحزب الاتحادي الديمراطي الأصل ظل قادته يضربون وعداً بعد وعد لعقد المؤتمر العام للحزب الاتحادي لكن كل وعودهم هباء فإن وعدوا فموعدهم هباء وهذه هي الحقيقة الماثلة أمامنا الآن لأن انعقاد المؤتمر العام سوف يغير مجرى التاريخ داخل الحزب الاتحادي ويعود إليه مجده السياسي وعنفوان تاريخه الذهبي وأخشى ما أخشاه أن يطول بالاتحاديين الأمل والانتظار في عقد هذا المؤتمر الذي يعتبر الفيصل حينما توضع النقاط على الحروف لانتخاب قيادة جديدة للحزب من قاع القواعد الاتحادية الأصيلة وساعتها سوف يردد الاتحاديون بصوت واحد: اليوم نرفع راية مجدنا الذهبي ويسطر التاريخ عودة مبادئ الأزهري شمعة اتحادية تنير للحيارى دروب الاتحاديين الأصيلة التي سار عليها رواد الحركة الاتحادية من الرعيل الأول.