وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    بورتسودان .. مسيرة واحدة أطلقت خمس دانات أم خمس مسيّرات تم اسقاطها بعد خسائر محدودة في المطار؟    مصطفى تمبور: المرحلة الحالية تتطلب في المقام الأول مجهود عسكري كبير لدحر المليشيا وتحرير دارفور    حزب الأمة القومي: نطالب قوات الدعم السريع بوقف هذه الممارسات فورًا والعمل على محاسبة منسوبيها..!    تصاعد أعمدة الدخان من قاعدة عثمان دقنة الجوية عقب استهدافها بمسيرة تابعة للدعم السريع – فيديو    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تحولت لشاهد ملك على تجربة الإنقاذ؟
نشر في السوداني يوم 10 - 03 - 2015

لا بالعكس تماماً، لو كنت أرغب أن أكون شاهد ملك لقلت شيئاً كثيراً، ولكنك تلاحظ أنني لا أكتب عن التجربة ولا أدوِّن، وهذا موقف يتعارض مع ما قلته لك سالفاً من أنني أحبُّ أن أدوّن هذه التجربة والتحدي سيكون كيف يمكن تدوين هذه التجربة، وأنت خارج منها، ولا تكون خائناً لها.
(مقاطعة) أنت جزء من هذه التجربة؟
قطعاً أنا جزء منها، ولو كنت في فترة زمنية محددة لست جزءاً منها منذ أن قامت، ولكنني ظللت فيها منذ بداية الفترة الجامعية، وظللت فاعلاً فيها إلى أن حلَّت الحركة الإسلامية نفسها.
كأنك بدأت تتحرج من هذه التجربة؟
لا لم يحصل، وهذا انطباع خاطئ، وربما يكون التناول النقدي للحركة مدعاة لهؤلاء أن يفهموا هذا الفهم، ولكنه ليس صحيحاً، وأنا أؤمن تماماً بأنه لا بد أن نقرأ التاريخ قراءة نقدية، وليس قراءة التجربة الإسلامية وحدها، ولكن التجربة السودانية والتجربة الإنسانية عامة، وتجربة المسلمين منذ الخلافة يجب أن نقرأها قراءة نقدية، وهذا لا يقدح في صدق توجهاتها وأهدافها.
غازي صلاح الدين تتغير مواقفه بتغير مواقعه، (اتهام)؟
هذا ليس اتهاماً، بالعكس، أنا من السياسيين الذين أثبتوا في أكثر من مرة أنهم على استعداد للتنحي من مناصبهم، وحدث لي ذلك في أكثر من مرة، حدث في عام 2003 في قضية نيفاشا، وحدث في رئاستي للكتلة البرلمانية وحدث في قضية الدستور والرئيس ودوره، حدث كله وأنا كنت داخل المكتب القيادي وداخل المنظومة الحاكمة، ولكنني قلت رأيي بشجاعة، ولم أبالِ بما حدث من بعد، وأنا الآن لست نادماً على ذلك.
لماذا لم تقدم على خيار الاستقالة؟
استقلت قبل ذلك في عام 2003، وأنا تقدمت باستقالتي بصورة مباشرة وصدر القرار، ولأول مرة يصدر القرار بإقالتي بناءً على رغبتي.
لكن كان هناك فارق زمني بين تقديم الاستقالة وقبولها حتى صارت كأنها إقالة؟
لا. الخطاب – ويمكنني أن أعطيك صورة منه - ورد فيه: يقال من منصبه بناءً على رغبته، وحقيقة أنا أبديت رغبتي في الاستقالة وتركت الملف وبقيت في منزلي.
ربما كانت محاولة لإيجاد مخارجة أخلاقية ومعقولة لك في ذلك الوقت؟
لا، إطلاقاً، هي كانت محكومة آنذاك بالتفاوض، ولرؤيتي للطريقة التي كان يجري بها التفاوض، وقد ثبتت توقعاتي تماماً، وأنا جلستُ مع الرئيس وقلت له سيحدث (كذا وكذا وكذا)، وبعد مرور الزمن كل شيء قلته حدث، وفي المشكلة الأخيرة عندما تحدثت عن أن الرئيس ينبغي أن يحترم الدستور وينبغي أن لا يترشح بعد دورتين، فهذا كان موقفاً مبدئياً في الحقيقة، وكنت أؤمن به.
أنت داخل الإنقاذ كنت تدافع عنها بكل سيِّئاتها؟
(مقاطعاً) أنا لم أكن أدافع عنها بكل سيّئاتها، أنا كنت أدافع عنها لأن هذه كانت قناعتي، وكان لديّ طموح كبير، وهذا شيء طبيعي أن يكون لديك شعور كبير بأن تغيّر، وظل هذا الوعد والرجاء قائماً، وهذا دائماً يستبقيك في إطار الجماعة كما قلت لك إنك عندما تكون في إطار جماعة تسلم شيئاً من حريتك لها، ولكن وعيي بقصور التجربة كان مبكراً جداً بالمناسبة.
كنت وزيراً للإعلام وكانت تهاجم الصحف. ويعتدى عليها؟
(مقاطعا) لا لا، هذا الكلام غير صحيح.
لم يكن لك موقف ....؟
(مقاطعا) لا هذا غير صحيح، اسأل الصحفيين الأكبر سناً، وفي عهدي أنا صدر قانون الصحافة الذي سمح بحريات واسعة –نسبياً طبعاً- آنذاك، وفي ذلك الوقت صدرت إذاعات ال(إف إم) للقطاع الخاص، وكنت شخصياً كوزير إعلام –ويشهد على ذلك عدد من الصحفيين- كنت أدافع عنهم وكنت أحميهم من الإجراءات الأمنية.
ولكن فترتك كان فيها تجاوزات سلطوية فيما يتعلق بالعمل الإعلامي كانت هناك رقابة و...؟
(مقاطعاً) هذا كنا نقاومه، ولكن أنت لا بد أن تحكم على التجربة بما سبقها وهذا كان تطوراً، وتقدماً كبيراً جداً في إقامة صحافة حرة وإذاعات حرة وحتى قنوات تلفزيونية حرة.
حتى عندما خرج د.الترابي وقال إن نسبة الفساد بالدولة 9% أنت تصديت له بعنف؟
المشكلة لم تكن في قضية التصدي له، المشكلة كانت في أن بعض الوكالات نقلتها بأن نسبة الفساد بلغت 90% وأصبحت المشكلة في أنه هل قال 9% أم 90% ولكن نحن تصدينا للمؤتمر الشعبي وللدكتور الترابي من واقع موقف سياسي كان آنذاك مختلفاً عليه جداً حتى اليوم.
أنا رفضت اتفاق جنيف بين الشعبي والشعبية، وهذا كان موقفي الذي أعبّر عنه بالضرورة في إعلامنا وفي الساحة السياسية، بأن التعامل مع حركة متمردة والتواطؤ معها على قلب نظام الحكم وإسقاط الحكومة شيء غير مقبول قانوناً.
إلى الآن؟
إلى الآن هذا موقفي، الزمن تجاوزه ولم يتغير طبعاً، وأقول لمن يجادلني بأن المذكرة تحدثت عن إسقاط الحكومة بوسائل سلمية، وأقول له هذا ينطلي على من؟
لكنك استخدمت عبارات قاسية بحق د.الترابي؟
لا، أنا أفتكر ذلك، لكن هناك عبارات أدخلت في بعض المرات على حديثي وأنا استخدمت عبارات قاسية ولكنها ليست جارحة.
ما هو الفرق بين القاسي والجارح؟
الجارح هذا طبعاً فيه تعدٍّ وجنوح نحو التطرف مع إنسان آخر.. أنا أعلم تماماً الكلمات التي أستخدمها، هناك كلمات لا أستخدمها إطلاقاً، وأما أن تحاسب لأنك وقّعت على اتفاق مع حركة مسلحة لإسقاط الحكومة هذا حق قانوني.
أنت الآن وقّعت على ورقة مع حركات مسلحة برنامجها الأساسي تغيير الحكومة بوسائل غير سلمية؟
لا هذه مختلفة يا أستاذ ضياء، نحن أولاً ذهبنا ممثلين لمجموعة (7+7) وكان معي أحمد سعد عمر ممثلاً للحكومة، ونحن ذهبنا بتفويض محدد لمقابلة تلك الحركات ولدعوتها إلى السلام ولعرض خارطة الطريق، ولم نذهب كما تظن بالعكس، نحن قدمنا فرصة تاريخية للحكومة أضاعتها في الوصول لاتفاق مع تلك المجموعات المسلحة.
لكن هذا الاتفاق جاء على خلفية إعلان باريس، صحيح أنه تحدث عن إسقاط النظام بوسائل سلمية ولكنه...؟
(مقاطعاً) لا نحن لم نوقّع على اتفاق باريس ولم نجزه، ولم نتعرض له إطلاقاً، نحن نقلنا فقط خارطة الطريق كما أنجزناها نحن وقدمناها للطرف الآخر، وهو عدل فيها والمنتج النهائي كان مقبولاً للحكومة.
دكتور غازي صرت أكثر مُهادنة للحركات المسلحة؟
أنا مؤمن بالسلام، ومؤمن بأن السودان لن تُحلَّ مشكلاته إلا إذا حدث سلام حقيقي، لا مشكلة العلاقات الخارجية والمشكلة مع المجتمع الدولي، ولا مشكلة السياسة الداخلية ستحل دون إيقاف الحرب، وتلك كانت فرصة تاريخية في أن المجموعات المسلحة ....
كأنها مغازلة للحركات المسلحة؟
لا أعتقد أن لدى الناس هذا الفهم إلا القليل منهم، أنا حقيقة وجدت قبولاً واسعاً من كل الناس الذين التقيت بهم، والناس الذين فهموها في سياقها الصحيح بأنها اختراق حقيقي. هذه جماعة تحمل السلاح وقلت لك إنها تريد أن تنضم للعملية السياسية الداخلية وأن تكون حزباً سياسياً.
ولكنها تحمل السلاح؟
وهذا هو المطلوب، أن تدخل في حوار وتفاوض لتضع السلاح، ولكنها أبدت رغبتها في أن تتحول إلى منظومات سياسية، وهذه كانت الفرصة التاريخية التي أضاعتها الحكومة للأسف الشديد.
أريد أن أرجع بك للوراء قليلاً، هل فعلاً توليك لمنصب الأمين العام للمؤتمر الوطني في التسعينيات تم عبر التزوير؟
والله لم يحدث إطلاقاً، هذه فرية ذكرت في بعض الكتابات من واقع الخصومة السياسية، ولم يُقدَّم فيها دليل ولو أنها حدثت وعلمت بها لما أجزتها إطلاقاً.
هل هناك أي احتمال لأن تكون هذه المسألة حدثت من وراء ظهرك؟
في الكون أي شيء محتمل، إذا كان يمكن أن يحدث يمكن أن يحدث، ولكن في تلك اللحظة لم تُثَرْ هذه المسألة إطلاقاً وأثيرت فيما بعد (بعد المفاصلة) وكونها جاءت متأخرة في الزمن هذا دليل على أنها مفتراة.
ألم يساورك أيُّ شك بأنها مزوَّرة؟
(مقاطعاً) إطلاقاً.. إطلاقاً، وحتى الآن ليست هنالك أيُّ بينة تسند هذا القول الذي ظهر.
البعض يفتكر أنك متردد في اتخاذ مواقفك، وليس لك وفاء لمواقف سابقة كنت جزءاً منها؟
والله يلزمك دليل.
بمعنى أنك في بعض المرات تتخذ مواقف وتتراجع عنها عندما خرجت من الحكومة مواقفك كانت عنيفة تجاهها، وعندما رجعت للحكومة مواقفك باتت جزءاً من الكورال العام؟
لا إطلاقاً، أنا عدت إلى الحكومة بعد إصرار شديد جداً من كتلة قيادات داخل المؤتمر الوطني هي (كتلة الإسلاميين) بعد أن خرجت من الحكومة وبعدت عنها، وكنت شخصاً عادياً ولست موظفاً فيها، ولا أتلقّى أي مرتب أو مكتسبات أخرى، ولكن عدت بعد ذلك لأنه كان هناك طلب بأن يتوحد الصف إزاء تطبيق اتفاقية السلام الشامل، ولكني منذ ذلك التاريخ كنت ناقداً إلى أن خرجت، كنت ناقداً وأقول كلامي بوضوح، والذي جرى آنذاك حينما أقنعني الرئيس بقبول المنصب قلت له لا بد أن يكون بيننا تشاور لأنني لا أخدم موقعاً بالمجان، وإذا كنت أنت تريدني أن أكون مساعداً لك أو مستشاراً، فلا بد لي من قبول هذا الوضع، ولكن طبعاً المثالية في العمل السياسي نادرة...
(مقاطعة) البعض يفتكر أنك لا تصمد في المواجهات السياسية؟
والله لا أعتقد ذلك، أنا لديّ قدرة عالية على الصمود، والدليل أنني أتبنى هذا الموقف الناقد منذ وقت طويل وما زلت صامداً.
البعض يفتكر أن الصراع داخل الحركة الإسلامية هو صراع أنداد بالأساس أكثر من أنه صراع حول خطط وبرامج وأفكار؟
ممكن أن يكون هذا صحيحاً طبعاً، ولكنه لم يتضح إلا بعد تولي السلطة، وما قبل تولي السلطة الحركة كانت متجانسة بصورة أكثر، وكانت منسجمة في داخلها، والأنداد لم يكونوا أنداداً متصارعين، وكانوا أنداداً متسامين وتجربة الحكم حقيقة دخلت إليها الحركة الإسلامية ولديها رصيد كبير ولذلك الانحراف تم بعد وصولها للسلطة.
أجريت حواراً مع بروفيسور حسن مكي، وكان ذلك بعد الانقسام، وقال لي إن معظم قادة مذكرة العشرة كل واحد منهم فيه ترابي صغير؟
تقريباً الكلام لا يخلو من صحة، بمعنى أن الترابي كان مؤثراً جداً في الأجيال التي قادت فيما بعد التجربة السياسية للإنقاذ، سواء كان في المؤتمر الوطني أو الحكومات المتعاقبة. الترابي كان موجوداً وإذا نظرت – دون ذكر أسماء - لفلان وفلان آخر قد تجدهما في مدرستين سياسيَّتَيْن مختلفتَيْن ولكن تجد فيهما شيئاً من تلك الروح.
هل صحيح أن لديك حساسية في التعامل مع علي عثمان محمد طه؟
والله يمكن، لأنه في فترة ما برزت خلافات أو تباينات في طريقة التعامل مع الملفات الحساسة وبالذات ملف السلام وملف الحركة الإسلامية، ولم تكن هناك مشكلة شخصية أصلاً في فترة ما قبل تولي السلطة وفي فترة تولي السلطة كنت أعمل معه وزير دولة بالخارجية، وكانت العلاقة متميزة جداً ولكن هذين الملفين الحساسين أنا....
(مقاطعة) متى بدأ التوتر؟
أعتقد في منتصف التسعينيات على خلفيات أخرى لا أريد أن أذكرها الآن.
هل كان صراع الأنداد جزءاً منها؟
لا أبداً، وأعتقد أنه في موقفين أساسيين ذكرتهما أنا تحديداً، وليست للعلاقة الندية إطلاقاً، وبعدين هو من ناحية العمر نحن لسنا أنداداً والفرق بيننا أربع إلى خمس سنوات، ونحن عندما دخلنا الجامعة كان هو قد خرج منها، ولكن كان هناك موضوعان أنا شخصيا أعتقد أنه أخطأ فيهما في قضية السلام وفي قضية إدارة ملف التفاوض في نيفاشا وفي قضية الحركة الإسلامية.
ليست لها علاقة بالكيمياء الشخصية؟
لا ليست لها علاقة بالكيمياء الشخصية بالعكس.. بالعكس تماماً.
هل فعلاً أنك كنت تمنّي نفسك بأن تصبح خليفة د.الترابي؟
والله يا أخي صراحة لم آمل نفسي بهذه الصورة، ولكنّ كثيرين كانوا ينظرون إليّ هذه النظرة، وهذه نظرة مُتعبة جداً، لأنني لا أصلح أن أكون شخصاً آخر، لأن الحركة الإسلامية كما علمناها هي منتج أشرف عليه وأنجزه وأكمله د.حسن الترابي وهي لن تعود لسابقها بصورة طبيعية، إلا أن تحيا بصورة مختلفة، ولكن بصراحة شديدة جداً قد يكون عنفوان تعاملي مع بعض القضايا وحماستي الزائدة والمفرطة تعطي انطباعاً بأنني أتطلع لموقع معين.
لكن د.الترابي في حوار معه قال إنك أقرب لأن تكون خليفته من حيث التفكير والتنظير وحصرها في هاتين النقطتين فقط؟
حتى أكون منصفاً معه، هو ظل يحمل تقديراً شخصياً لي، وعلى المستوى الشخصي وعلى مستوى المقدرات وعلى مستوى قراءة المستقبل للدور الذي يمكن أن ألعبه، ولكن طبعاً هذه المسألة كلها انهارت بقدوم تجربة الإنقاذ وحل الحركة الإسلامية.
هل يمكن أن يكون د.الترابي أراد القول بأنك في الممارسة العملية بعيد عنه؟
في السياسة.. أعتقد أنه يمكن أن تكون بيننا مفارقة في الموقف السياسي.
ما هي أبرز ملامح هذه المفارقة؟ هل هي تقديرات أم في الوسائل؟
التقديرات مقدور عليها، بمعنى أنه يمكن أن نتجاوز الاختلاف فيها.. في الوسائل تقريباً.
البعض رأى في المقال الذي كتبته عن محجوب شريف بأنه محاولة لمغازلة اليسار؟
والله يا أخي هذا سوء ظن أنا لا أتحكم فيه، وأنا لم يخطر على بالي مثل هذا القول إطلاقاً، وليست لديّ مشكلة لأنني أعرف أناساً في اليسار، ولديّ علاقات قوية جداً مع قيادات في الحزب الشيوعي، وحتى الآن نحن نتحدث عن أننا عندما تأتي الديمقراطية سنختلف معكم، ونحن الآن نريد الحد الأدنى الذي يكفل لنا الحرية والعدالة ولكن سنختلف معهم.
هل تستمع لقصائد محجوب شريف؟
أستمع لها وأقرأها، وحقيقة هي ممتعة جداً، وهي ليست للحزب الشيوعي ولا تعبيراً عن النظرية الشيوعية، ومحجوب شريف كان سودانياً متاحاً للجميع، ولكن أنا أفتكر أن الشيوعيين يدعونه لأنفسهم أكثر مما هو في الواقع، وهو كان شخصاً سودانياً، وأخرج قصائد في غاية الجمال والبساطة والولوج إلى النفس بيسر، ومقالي عن محجوب شريف الوصف الذي قيل فيه إنه كان وراء "الكمامة"، يقول الشعر قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وهذا موقف إنساني مؤثر جداً.
هل لديك علاقة قوية بالشعر؟
كقارئ وليس كناظم.
حاولت أن تكتب الشعر؟
حاولت لكن الله سبحانه وتعالى هداني من البداية، أخرجت شعراً رديئاً جداً وأنا في المرحلة الثانوية، فعلمت أن هذه موهبة من الله تعالى وتركته، ولكنني أحب الشعر جداً العامي والفصيح والإنجليزي فيما بعد حينما تعلمت اللغة الإنجليزية.
لماذا للإسلاميين حساسية في الاستماع للغناء؟
لا تسمع مثل هذا الحديث، كل الجماعة ديل يسمعون الأغاني، كلهم لديهم فنانون ولكن يبدو أن نمط الحياة يضطرك لإظهار جزء كبير جداً من النفاق الاجتماعي، وأنا أسمع الكاشف –مثلاً- وألحانه متميزة جداً وحتى بعض أشعار التجاني سعيد والشعر العامي للحاردلو...
(مقاطعة) بتحفظ؟
أحفظ نعم.
كيف هي الميول السياسية والفكرية لأبنائك؟
والله ليس فيهم واحد سياسي بارز حتى الآن، ولا يبدو أن أحدهم سيكون مهموماً بالسياسة، واتجاهاتهم الفكرية عامة متقاربة، ولكنهم ليسوا منظمين في أي منظومة.
ألم تكن حريصاً أن يلجوا الحركة الإسلامية؟
لا إطلاقاً إطلاقاً، وأقصد أنه كان سيعجبني ذلك، ولكن علمت من تجربتي في الحياة ومن قراءتي أن التلقين شيء ضار وينبغي أن تترك الإنسان ليحدد خياراته بنفسه، ولكن أنت لا بد أن تُعطي دفعة توجيه.
إلى أيِّ مدى تتدخل تدخلات مركزية وحاسمة في خيارات أبنائك؟
لا أتدخل، وحتى الزواج دوري يكون النصيحة أكثر من أي شيء آخر، ولكني راض بقراراتهم وخياراتهم.
هل أزعجك كتاب صديقنا عبد الغني أحمد إدريس زوج ابنتك؟
والله حقيقة أنا لم أكن أدرك أنه يكتب كتاباً، وطبعاً كثير من الناس اتهموني بأنني وراء هذا الكتاب، وأنا لم أكن أدري أنه يكتب كتاباً، وحتى بعد أن علمت أن كتابه دخل إلى المطبعة قلت له كيف تكتب كتاباً قد يؤثر على علاقاتي السياسية مع الآخرين، وبعض الناس ينظرون دائماً بعقلية المؤامرة، وأنا لم أكن وراءه، وما علمت به إلا بعد أن ذهب إلى المطبعة.
هل لديك عليه تعليق؟
أنا في تعليقي لعبد الغني قلت له أنت بين خيارين إما أن تكتب كسياسي أو أن تكتب كمؤرخ، ولو كتبت أنا لكتبت كمؤرخ والمؤرخ يحتاج إلى أن ينزع نفسه من الواقع ومن حساسياته ومن العصبيات ومن الغضب بصورة عامة والسياسي يكتب بغضبه، وأنا أعتقد أنه كتبه كسياسي أكثر من أنه مؤرخ.
وأنا سعيد بأن عبد الغني الآن نال درجة الماجستير في التاريخ في إحدى جامعات لندن، وأتطلع لأن تكون كتاباته كتابات تأريخية أكثر كونها كتابات سياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.