ساعة الفطور وكشف المستور!! قبل حوالى (40) يوماً؛ أصدرت وزيرة العمل اشراقة سيد محمود قراراً يحظر (الفطور) الجماعي بمؤسسات القطاع العام، وكذلك حدَّد القرار زمن الافطار بنصف ساعة فقط لا غير، وألزم العاملين بالعودة الى عملهم بعد صلاة الظهر مباشرةً على أن يتم كل ذلك بلا أيِّ تأثير على سير العمل. وبالطبع فإنَّ ما دفع السيدة الوزيرة لإصدار هذا القرار (الحاسم) هو (كمية) الزمن المُهدر سُدىً بين الإفطار والصلاة وكثير من (اجتماعيات السودانيين) التي لا تنتهي. السؤال الذي يطرح نفسه هنا بكلِّ قوة هو : هل (نزل) القرار إلى أرض الواقع، أم يا تُرى تم (اعتقاله) في (أدراج) مؤسسات القطاع العام؟؟!!.. السطور القادمة تحوي الإجابة بلا رتوش. الخرطوم: وسام أبو بكر سألنا عاملة بوزارة العمل عن الموظفين فقالت: (الجماعة ديل مشوا الإفطار برَّة الوزارة).. صاحب كافتريا بوزارة الصحة: أحياناً نضطر لإيقاف المكيِّفات حتى يخرج الجالسون لفترة طويلة بكراسي المحل.. وزيرة العمل: وصلتنا شكوى أن الموظفين ببعض الوزارات يتناولون (الفسيخ) داخل المكاتب..!!! (مشوا الفطور)..!! صدق من قال : ( إن شر البلية ما يُضحك)؛ فقد خرجنا نتحسَّسُ (القرار) بدءاً بالوزارة التي أصدرته ألا وهي وزارة العمل، دلفنا اليها في تمام العاشرة والنصف صباحاً وتوجَّهنا مباشرةً الى مكتب الاعلام فوجدناه خاوياً على عروشه من الموظفين، انتظرنا لقُرابة الساعة فلم يأتِ أحد، حينها لمحنا من على البُعد إحدى العاملات (خالة) ذهبتُ لها وسألتها: أين ذهب هؤلاء؟ فقالت لي :(مشوا الفطور)، قلتُ لها (أنا منتظرة بهذا المكتب لقُرابة الساعة).. فقالت : لو مُستعجلة أمشي ليهم في الكافتريا. وعندما سألتها أين توجد الكافتريا؟ أجابت: (برَّة الوزارة شمال شارع البلدية). الأغرب من ذلك كله أنه وبينما كنتُ أهِمُّ بالصعود عبر (الأسانسير) الى الطابق السابع حيث مقر الوزارة، دخلتْ معي الأسانسير عاملتان بالوزارة تحملان (زبادي، فول ورغيف)، فدلفتا به الى المطبخ لتجهيزه ومن ثم قامتا بحمله الى أحد المكاتب. أين ذهب القرار؟؟ خرجتُ من وزارة العمل لأرى ماذا يدور في الوزارات القريبة (جغرافياً) من وزارة العمل، دلفتُ الى وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والرى بولاية الخرطوم، وقد علمتُ من أحد الموجودين أن الوزارة تم نقلها الى شارع الانقاذ ببحري، فلم يبقَ إلا القليل من الموظفين والعمال، سألتهم عن قرار وزارة العمل بخصوص نصف ساعة الإفطار ومدى التزامهم به لكن ردُّوا بأنهم لم يسمعوا بهذا القرار إلا منِّي أنا الآن. ثم بعدهم توجهتُ نحو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وجدتُ موظفات بأحد المكاتب فسألتهم عن مدى التزامهم بقرار وزارة العمل الخاص بتحديد نصف ساعة للفطور وأن يكون ذلك داخل المؤسسات؛ خارج المكاتب؟ فقالوا لي انهم لم يتلقوا اي منشور وبالتالي لم يُطبَّق القرار بعد. جبل أولياء نفر..!! من وزارة التعليم العالي ذهبتُ الى وزارة الصحة الاتحادية، ووجدتُ ومعي اثنين من الزملاء جاءا لتغطية مؤتمر بالوزارة، وجدنا مجموعة من الموجودين بأحد المكاتب (نساء) يقطعن في الطماطم والعجور وغيرهما من خضارات السلطة ايذاناً بإعداد وجبة فطور ووقتها كانت عقارب الساعة تشير الواحدة والنصف بدليل أن احد زملائي ذهب لأداء صلاة الظهر بمسجد الوزارة. سألتُ احدى الموظفات عن المنشور والقرار، فقالت انهم لم يتسلموا اي منشور ينص على ذلك وانهم يتناولون الافطار في اوقات مختلفة، بعدها توجهنا مباشرة نحو الكفتريا بالوزارة فقال مسئول (الكاشير) إن الموظفين يجلسون داخل الكافتريا لأوقات طويلة جدا لدرجة أن بعض الزبائن لا يجدون مكانا يجلسون فيه فيتناولون الإفطار وقوفاً، وعندها لا نجد امامنا خياراً سوى ايقاف المكيفات ل(تسخين المكان) وعندما لا تصل رسالتنا نضطرُّ لاستئذان الموظفين بالمغادرة حتى يجد الآخرون مكاناً للجلوس. ومضى الرَّجُل يقول: إن بعض الموظفين يذهبون الى أماكن بعيدة مثل(جبل أولياء او عوضية او بحري) بحُجَّة عدم وجود الإفطار المناسب هنا، وهذا كله اهدار للوقت فقط. وزيرة العمل ترد على التساؤلات عُدنا الى حيث نقطة البداية؛ وزارة العمل - صاحبة القرار- كان ذلك في حوالي الساعة الواحدة ظهرا فوجدنا احد المسؤلين بمكتب الإعلام يجلس على مكتبه وهو يتناول وجبة الإفطار وعند سؤالنا له تبسم وقال (من الصعب تنفيذ هذا القرار في بلد كالسودان). ثم قال لنا إن وزارتهم –وزارة العمل- ستعقد مؤتمرا صحفيا حول ضوابط الخدمة المدنية وتحديد ساعات الإفطار داخل المؤسسات وستتم فيه الاجابة عن كل الاسئلة وبالفعل عُقد المؤتمر الذي كانت (السوداني) حضوراً فيه حيث تناولت الوزيرة الموضوع بصورة موسعة وتحدثت عن القرار والمنشورات التي سوف توزع خلال الاسبوعين القادمين، واكدت أن المنشورات مسنودة بالقانون الاداري للخدمة المدنية لتشمل كل السودان وكذلك تناولت كيفية تجهيز البيئة المناسبة التي تلبي كل احتياجات الموظفين وعلى المؤسسات منح الموظفين حقوقهم أولا بعد ذلك لها الحق في مطالبتهم بواجباتهم، حتى لا يقوموا بهدر وقت العمل في البحث عن الخدمات خارجها، وبعد ذلك تقوم الوزارة بتشكيل لجان مختصة للمحاسبة داخل المؤسسات تعمل على تنفيذ القرار ومحاسبة المخالفين، واضافت أن القرار من الصعب جدا تنفيذه الا انها متفائلة جدا رغم شخصية المواطن السوداني التي يصعب عليها تنفيذ مثل هذه الثقافة، الا بمساعدة الوزراء والمسؤولين مع الجهات المختصة. تشكيل لجان وزيرة العمل اشراقة سيد محمود قالت إن دوافع اصدار القرار هو الحفاظ على زمن الدولة حتى لا يقوم العاملون بهدر وقت العمل في البحث عن الخدمات خارجها، وبعد ذلك تقوم الوزارة بتشكيل لجان مختصة للمحاسبة داخل المؤسسات تعمل على تنفيذ القرار ومحاسبة المخالفين، واضافت أن القرار من الصعب جدا تنفيذه الا انها متفائلة جدا رغم شخصية المواطن السوداني التي يصعب عليها تنفيذ مثل هذة الثقافة، الا انه وبمساعدة الوزراء والمسؤولين مع الجهات المختصة وتنفيذ العقوبات عبر تكون فرق تفتيشية توزع على كل المؤوسسات لضبط المخالفين حيث أن هذه الفرق تستمد كل معيناتها من وزارة العمل مثل توفير وسائل النقل واللبس الموحد، وكذلك مساعدة اجهزة الاعلام في رفع الوعي والثقافه للمواطن واخيرا اللجوء إلى القانون، كذلك تحدثت الوزيرة عن حقوق الموظف وحقوق المواطن، وذكرت قصه حول هذا المحور عن موظف جاء الى وزارة العمل متظلما من انه قد تعرض للاعتداء من احد المواطنين الذي تهجم عليه اثناء اداء واجبه الوظيفي، وبعد أن تم التحقيق من هذا الامر عبر لجنة مختصة اتضح لنا أن هذا المواطن تردد على الموظف اكثر من (15) مرة ليأخذ بعض الاوراق المهمة التي تخصه وفي كل مرة يأتي فيها كان لا يجد ذلك الموظف ويقولون انه (في اجازة) وبعد أن وجده اخيرا لم يجد اوراقه مكتملة وهذا ما دعاه للتصرف العدواني وهو رجل كبير السن يناهز عمره ال(70) عاما، واكدت أن قانون العقوبات للعام(2007) سيحكم كل السودان وسيتم تنفيذه القرار على ارض الواقع، وكذلك لم تنس دور المواطن المتظلم في حالة وقوع الظلم عليه أن يتوجه فورا نحو وزارة العمل عبر منافذ معينة وسوف يتم بإذن الله إنصافه. ايضا تحدثت اشراقة سيد محمود عن الوقت المحدد للصلاة الظهر والعودة مباشرة لمزاولة العمل، وتحدثت كذلك عن الخروج الجماعي للمناسبات العامة واستغلال مركبات الحكومة للاغراض الشخصية وذكرت أن هنالك مجموعة من العاملين بالوزارة سجلوا لها زيارة اثناء ساعات العمل الرسمية لمناسبة اجتماعية واكدت انها رحبت بهم وبعد ذلك اخبرتهم انهم معاقبون، وكذلك نوهت إلى عدم استقبال الزوار بصفة خاصة داخل المكاتب واهدار وقت العمل في الاحاديث الشخصية، وايضا عن الخروج في جماعات لتناول وجبة الإفطار وطالبت بتوقيع اقصى العقوبات على المخالفين حتى يستقيم العمل. وتطرقت في حديثها لحدود الموظف وصلاحياته اي كيفية استغلال الموظف لنفوذه الوظيفي والاستعلاء على زملائه وعلى المواطن واضافة أن هنالك موظفين في الوزارة يخضعون للقانون نسبة لاستغلالهم نفوذهم الوظيفي على زملائهم. من المُحرِّرة: الخُلاصة التي خرجت بها من هذه الجولة التي تعدَّدت خلالها زيارتي لعدة وزارات أن القرار الذي يحظر الإفطار الجماعي بمؤسسات القطاع العام، والذي حدد كذلك زمن الافطار بنصف ساعة فقط لا غير، وألزم العاملين بالعودة الى عملهم بعد صلاة الظهر مباشرةً على أن يتم كل ذلك بلا أيِّ تأثير على سير العمل. هذا القرار مازال مُعلَّقاً في الهواء بين سموات الوزارات وغيرها من الجهات المعنية، أما إذا سأل سائلٌ عن: متى ينزل الى ارض الواقع؟ فنقول له: أن العلمَ عند الله تعالى.