هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته قررت ولاية سنار الاحتفاء بالقوات المسلحة ممثلةً في وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وذلك بتقليده وسام السلطنة الزرقاء ودرع الدندر، ودعت اللجنة العليا للحدث كل مواطني ولاية سنار بالداخل والخارج لحضور فعاليات الاحتفال الذي يتزامن مع احتفال الولاية بأعياد الاستقلال يوم 8/1/2012م حيث يقام باستاد سنجة الذي لا يستوعب أكثر من بضعة آلاف مشجع لكرة القدم غير السحالي والعناكب التي ضربت حوائطه المهترئة . كما أعلن أنَّ خواتيم الاحتفال ستتوج بليلةٍ ليلاء، أطلق عليها ليلة الإبداع الكبرى. سارت الأمور سيرها الطبيعي، وفي أثناء الاحتفال الذي شهد حضوراً كثيفاً من الجماهير، اختلط الحابل بالنابل وحدث هرجٌ ومرجٌ، وضربت الفوضى بأطنابها داخل الاستاد، ومن ثمَّ تدافع الناس بالمناكب ابتغاء النجاة من الأعداء المحتَملين، الذين منهم النشَّالين والنهابين وعديمي الأخلاق وقاصدي تسبيب الأذى للنساء والأطفال والعجزة وغير ذلك من أسباب التدافع. لم يكن أمام الشرطة مندوحةٌ سوى تقدير الموقف، بإطلاق الغاز المسيل للدموع على الفئات المارقة والمتسببة في الفوضى، حتى ينشغلوا بأنفسهم وأعينهم، درءاً لكارثةٍ كانت ستجعل من أهل ولاية سنار أعجاز نخلٍ خاوية. تدخل القدر المحتوم ففاضت أرواحٌ طاهرةٌ إلى بارئها، بسبب التدافع أو الاختناق أو غيرهما، ونحن نتضرع لله سبحانه وتعالى أن يتقبلهم قبولاً حسناً، وينزل أسباب الصبر والسكينة على ذويهم، ويشفي ويعافي المصابين البضع والثلاثين. لم تسكت الجهات المسؤولة بالولاية فكانت وزيرة الثقافة بولاية سنار والناطقة باسم حكومتها سبَّاقةً، وهي تصرح في إدانةٍ مبكرةٍ أنَّ الشرطة قد أطلقت الغاز المسيل للدموع عن طريق الخطأ! وحسناً فعل السيد والي ولاية سنار، بتشكيله لجنة تحقيق برئاسة وكيل النيابة الأعلى بسنار، وقد سابقت اللجنة الريح واستجوبت (83) شخصاً من دستوريين وقوات نظامية ومواطنين. نحن بالطبع لم نطَّلع على أوراق التحقيق، لنقف على طبيعة البينات المتوفرة للجنة التحقيق، ولكننا قرأنا عبر الصحف اليومية الصادرة يوم 24 يناير الجارى خبراً مطوَّلاً، أشبه بالبيان الرسمى من حكومة ولاية سنار، يقول إنَّ لجنة أمن ولاية سنار قد أصدرت قراراً، بإدانة منسوبي شرطة ولاية سنار، ومنسوبي القوات المسلحة بالفرقة (17) بالولاية، وذلك بناءً على تقرير لجنة التحقيق التي شكلها الوالي في أحداث يوم 8 يناير الجاري، التي راح ضحيتها (4) مواطنين و(32) من الجرحى، وكلفت لجنة الأمن القوات المسلحة والشرطة بتقديم كل الأسماء التي وردت في التحقيق للمحاسبة، وفقاً لقانوني القوات المسلحة والشرطة. يا ليت لجنة أمن الولاية وقفت عند هذا الحد ورفعت أوراق التحقيق للجهة القضائية الولائية المختصة لتحكم فيما شجر فيه الناس! ولكن ماذا فعلت بعدئذٍ؟ قررت اللجنة تحميل جهاز الشرطة كل أوزار الحادث الأليم بقرارها القاضي بدفع الشرطة الديات للمتوفين، مع التكفل بعلاج كل من أصيب في الحوادث، ودفع الخسائر المادية التي وقعت! بالرغم من أننا تشكر اللجنة على تسامحها بعدم إلزامها الشرطة بدفع الخسائر المعنوية وعدم تحميلها تكاليف إعادة التكريم والاحتفال إلا أننا نسألها ببراءة: ما الذي ترتب على إدانة منسوبي القوات المسلحة بالفرقة (17)؟ ولماذا أدينوا أصلاً وما هو دورهم في الأحداث؟ وإن لم يكن لهم دورٌ يذكر، فلماذا أقحموا في هذه المعمعة، التي رأى السيد والي سنار التشنيع من خلالها بجهاز الشرطة وحده والتضحية بسمعته التي هي من سمعة الدولة نفسها، بل من سمعة حكومته؟ لعل الشيء المحير فعلاً هو أنَّ لجنة التحقيق التي قيل إنَّ أعضاءها من القوات النظامية، قد أرجعت أسباب الحادث إلى غياب قائد شرطة الميدان، وعدم وجود ملازم الشرطة الذي أصدر القرار بإطلاق الغاز المسيل للدموع بالزي الرسمي، وعدم وجود خطة أمنية واضحة للشرطة، ولعل الشيء الأشد حيرةً ومرارةً هو النتائج التي خرجت بها لجنة التحقيق، المتمثلة في عدم وجود أدلة لدوافع سياسية، وعدم وجود خلاف بين الجيش والشرطة! وهنا يبرز السؤال المهم: هل أطلقت الشرطة "البمبان" بدوافع سياسية أم أنَّ الذين أثاروا الشغب والفوضى كانت لهم دوافع سياسية؟ ثم ما الذي أقحم الجيش والشرطة في المسائل الخلافية هنا؟ نحن نعلم أنَّ الاحتفال خاص بتكريم القوات المسلحة ممثلةً في السيد وزير الدفاع، وعليه فإن الشيء الواضح هو أنَّ القوات المسلحة ستشارك في تغطية هذا الاحتفال، ولكن يبدو أنَّ سوء التنسيق بين الأجهزة الأمنية قد كان سبباً في كل الذي حدث، والسبب يرجع أولاً وأخيراً للجنة أمن الولاية التي يرأسها والي سنار، ويتشرف بعضويتها السادة قائد المنطقة العسكرية، ومدير شرطة الولاية، ورئيس جهاز الأمن مقررا لها. لقد كان من أوجب واجباتها إجازة برنامج الاحتفال، ووضع الخطة الأمنية التنسيقية المشتركة للتغطية بين الأجهزة الأمنية الثلاثة (جيش وأمن وشرطة) ومناقشتها وإجازتها من لجنة الأمن، مع استخراج مستحقاتها المادية من إعاشةٍ وترحيل وغيرها. إنَّ الذي يستحق المحاسبة هو لجنة الأمن أولاً وعلى رأسها السيد الوالي، الذي لم يرض لنفسه أن يكون والياً ورئيساً للجنة الأمن فقط، بل وسَّع على نفسه فأصبح قاضياً، ليكون أول والٍ في السودان يتمتع بكافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في آن واحد. للحقيقة لم يتوقع أحدٌ أن يدين رجل دولةٍ في مقام والي ولاية شرطته عبر حكم قضائي يصدره مع شركائه في الخطأ، ليطفئ عبر الشرطة حريقاً لم تشعله وليجعل منها شمَّاعةً لإخفاقات الآخرين. إنه شيء مؤسف أن يُعَرَّض بالشرطة هكذا وفي ولاية ملتهبةٍ لا زالت أسيرةً للقبلية والادعاء بالظلم والتهميش والبحث عن الثأر لقتلاها، فما الداعي أصلاً لإثارة مثل هذه الفتن بوضع جهاز الشرطة في مهب الكراهية والانتقام؟ لعلَّ السيد الوالي قد أخطأ التقدير، فقد كان الأولى به أن يلتفت إلى ما ينفع أهل ولايته من فضائل التنمية والخدمات، بدلاً من الاستعجال بعضعضة ساعده الأيمن الشرطة التي لديها من القوانين واللوائح الصارمة ما يكفي للردع بلا رحمة أو الدفع بلا توقف. الجنة والخلود للمتوفين وخالص العزاء لأسرهم والشفاء العاجل للمصابين.