*هل انتهت الانتخابات؟ والسؤال أردده مرة أخرى بصوت عال: "يا بني مسئول" هل انتهت انتخاباتكم وفزتم وهللتم وكبرتم؟. * نعم قد يبدو سؤالاً غريباً لكن بالنسبة لي مُهمَّاً جداً لتذكير كثير من المسئولين، ليس في ولاية الخرطوم فحسب بل على مستوى المركز، أذكرهم بأنه أثناء انشغالهم ب"المعركة المقدسة" ارتفعت حصيلة ضحايا احتراق "تانكر الغاز" إلى خمسة عشر شخصاً من بينهم شقيقين، الأول (سلَّم) آخر ورقة في امتحان الشهادة الثانوية لهذا العام ثم بعد أيامٍ معدودات (سلَّم) الروح إلى بارئها بعد أن (أكلت) النار جسده النحيل، ولم يجد من يداويه، أما شقيقه الآخر فكان بينه وبين نيل درجة البكالريوس في المحاسبة من الجامعة الإسلامية أسابيع تُعدَّ على اليد الواحدة، وأكثر ما يُقَطِّع نياط القلب في مأساة هذين الشقيقين إنَّ والدتهما (المكلومة) قالت إنَّ وفاتهما كانت بسبب الإهمال واستدلت بأنه عندما زارتهما بالمستشفى وجدت أن كل ما قُدِّم لهما هو (لُفافات) من الشاش ودِربَّات، وتحدَّثت بدموع "الحرقة والحريق " قائلة: (والله ما قِدِرْتَ أعاين ليهم مرتين)..!! * ولتذكير القراء بما حدث، فقد وقع الحادث في الثامن من أبريل الماضي وتحديداً عند الرابعة عصراً وكان الجميع منشغلين بالانتخابات وما إدراك ما الانتخابات، حيث اصطدمت ناقلة محملة بالغاز بنفق الجامعة، فتسرب فاشتعلت النيران بسرعة شديدة في السيارات المجاورة، وقضى على أربعة منها، في حين قتل طفل (6) سنوات كان يقف أسفل النفق وأصيب (17) آخرون إصابات متفاوتة بينهم أربع سيدات. * طبعاً ذاك ما كان يومئذ، أما خلال الأيام التاليات فقد ارتفع عدد الموتى من واحد إلى خمسة ومن خمسة إلى تسعة ومن تسعة إلى أحد عشر ومن أحد عشر إلى خمسة عشر شخصاً، حدث كل ذلك ولا أحد سأل عنهم أو سال نفسه أو خاف سؤال ربه. * * ألا يُعطي موت المصابين أكبر مؤشر على ضعف الرعاية الطبية في بلادنا وفشلها في إنقاذ الأرواح البرئية وعدم استعدادها لأية كوارث؟، هل يعقل يا سادة من جملة سبعة عشر مصاباً لا يبقي إلا ثلاثة فقط؟ ولا أدري ماهية الرعاية التي تقدم لهم الآن؟ وهل يمكن أن يلحقوا برفقائهم في أية وقت لا قدر الله؟ علماً أن هنالك من أبلغني أن أسرة أحد المصابين تمكنت من تحويله إلى مستشفى خاص بإصابات بالغة وبفضل الله وبفضل ما وجده من رعايا صحية مدفوعة القيمة تحسنت حالته كثيراً حتى الآن، وفي حين ذهبت الغالبية المسحوقة إلى المستشفيات العامة فكان مصيرهم الموت كالفراخ المشوية. * هرع إلى موقع الحادث في ذلك اليوم، د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم وبرفقته مجموعة من (مسؤولي الولاية)، إلا أنه لم يحدث تعامل حقيقي ومباشر مع الحادث اللهم إلا توجيه بتشكيل لجنة تحقيق وكالعادة لجنة نتيجتها كما سابقاتها تنتهي باللاشيء..!! ** السؤال الذي حيرني وحير غيري: لماذا لم يوجه والي الخرطوم، لماذا لم يتكفل بعلاج هؤلاء في مستشفيات "الخمس نجوم" لأنهم ببساطة لا يتحملون مسئولية خطأ هندسي في مكان ولا يتحملون تقصير السلطات في منع حمولات الغاز من دخول وسط الخرطوم في أوقات الذروة. * افتقدتُ في ذلك اليوم وزيرنا المُفدَّى بروفسير مأمون حميدة وزير الصحة بالولاية التي (احتضنت) الكارثة حتى يكون للوزارة قرار فيما يتعلق بمصابي الحادث الذين بلغ عددهم نحو سبعة عشر شخصاً، والسؤال الذي يوجه للبلدوزر الآن: أين المستشفيات البديلة التي تستطيع فقط إنقاذ أكثر من خمسة عشر شخصاً قضوا فيها أكثر من عشرة أيام، وبماذا كانوا يعالجوا؟ وكيف كانت درجة الاهتمام بهم؟ وهل كل مهمة مامون حميدة هي تفريغ الموجود من المؤسسات الصحية؟ وسؤال أخير للدفاع المدني: وعلى مرمى حجر توجد إحدى نقاطه في منطقة بري لإطفاء الحريق والتقليل من الإصابات؟. * إن فاجعة موت المصابين لهي "أفجع" من الحادث نفسه، والأمر في تقديري يحتاج إلى ردة فعل لا تبقي ولا تذر خاصة بعد أن انتهت الانتخابات!. عبد الحميد عوض Kessamber22 @ hotmail.com