الخدمة المدنية والاغتراب المهني ! الأستاذ المحترم محمد الصائم أولاً اسمح لي أن أعبر عن بالغ شكري وتقديري على تعقيبك على مقالي السابق والذي نشر بعنوان "الخدمة المدنية تحت رماد الاغتراب المهني". وحقيقة أنا أعتقد بأن من أكثر الأشياء التي تسعد أي شخص يكتب وينشر أن يجد صدى ما كتبه لدى القراء سواءاً كان تأييداً أو اختلافاً في وجهات النظر أو إضافة جديدة قد يكون الكاتب قد غفل عنها. وأؤيدك تماماً في ما ذهبت إليه من أن واحدة من مشكلاتنا الرئيسية في السودان والتي أقعدت ببلادنا ككل وليس فقط بواقع الخدمة المدنية، هي عدم وجود النظم والمؤسسية والركائز المعلوماتية والتي تشكل في مجملها محوراً لأي عمل ونشاط. وأتفق معك أيضاً أن وجود المؤسسية بشكل عام يكون بمثابة صمام الأمان لأية دولة؛ فالأنظمة تزول والأفراد يذهبون لكن المؤسسية هي التي تبقى! ولكن اسمح لي أن أختلف معك في أهمية توفر الإرادة السياسية أولاً والتي بدونها لن ترى المؤسسية النور، ولن يكون لها دور فاعل في بناء الدولة المدنية الحديثة التي ننشد. وبالضرورة بمكان أن نتفق على أن الإرادة السياسية لن تحدث "بمحاسن الصدف" و"طيب النوايا" ولكن يصنعها من بيدهم مفاتيح الحكم من الساسة ومتخذي القرار. ولذلك ركَّزت في مقالي على ضرورة وجود "القيادي النموذج" الذي يكون حريصاً على المنفعة العامة أكثر من المصلحة الخاصة، سواءاً أكانت هذه الأخيرة على المستوى الفردي أو الانتماء الحزبي. وفي ذات الوقت أتفق معك تماماً في أن منظمات المجتمع المدني، وأضيف إليها الوسائط الإعلامية المختلفة، يمكن أن تلعب دوراً توعوياً ورقابياً أكثر إيجابية في الكشف عن المظالم وأوجه القصور التي تقع بحق المواطنين. وبالتأكيد أشيد معك بالتجربة الرائدة التي ذكرتها في إحدى محليات دارفور وهي نموذج في الشفافية للكيفية التي يجب أن تتم بها العطاءات والعقودات الحكومية. فالشفافية أصبحت الآن وعلى حسب المعايير العالمية حق أصيل من حقوق المواطنة ولا يمكن للشفافية أن تتحقق بدون تمليك الحقائق للرأي العام ونتمنى أن تسود مثل هذه التجارب "كأفضل الممارسات" في ما يتعلق بإدارة الشأن العام. ندى أمين