** مرت عجول عم إبراهيم بظرف صحي مرت به كل أبقار وعجول مناطقنا النوبية ذات عام، وتجاوزتها بفضل الله ثم برعاية طبية وفرتها وزارة الثروة بالإقليم الشمالي آنذاك، ولكن عبد الخير نجل عم إبراهيم لم ينتظر - مع المنتظرين - وصول البعثة البيطرية إلى حظيرة عجول والده، و- بشفقة غريبة - ذبح كل العجول ووزع لحمها لأهل القرية الذين رفضوا مبدأ استلام اللحوم، ناهيك عن طهيها وأكلها، خوفاً من انتقال العدوى، فخسر عم إبراهيم عجوله، وكذلك لم يكسب أجر إطعام أهل القرية..ثم مرعم إبراهيم ذات صباح بالحظيرة الخاوية، فحز في نفسه ذكرى تلك مجزرة عجوله، فسأل ابنه بحزن : (بالله إنت مبسوط من تصرفك ده ؟)، فاراد الابن تخفيف الحزن على أبيه قائلاً : (يا أبوي ياخ ده قضاء وقدر، يعني عجولك - حتى لو عاشت - ما ح تكون عندها مستقبل)، فنظر إليه عم إبراهيم بحزن ثم سأله مشفقاً : (طيب خليني من العجول، تفتكر إنت ح تكون عندك مستقبل ؟) ..!! ** تلك من طرائف ريفنا الحبيب، وستجد مغزى السرد في نص القرار التالي .. (قرار وزاري رقم 5، بتاريخ 9 أغسطس 2011..في ضوء التطورات المتلاحقة والمتسارعة التي طرأت على الاقتصاد العالمي وانعكاساتها على المستوى الإقليمي والمحلي، كذلك الأحداث المهمة والكبيرة التي مرت بالسودان وأثرها على اقتصادنا الوطني..في هذا الإطار، قد تقرر تجميد التمويل الخارجي لمطار الخرطوم الجديد من مصادر التمويل الخارجية، وسيتم النظر في إعادة تخصيص هذه الموارد للمشاريع ذات الأسبقية، على أن ينظر في توفير التمويل لمشروع المطار عبر نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية BOAT ..صدر تحت توقيعي، علي محمود/ وزير المالية والاقتصاد الوطني).. انتهى النص، علماً بأن المختصر الإنجليزي الصحيح لنظام البناء والتشغيل ونقل الملكية هو(BOT أو BOOT)، وليس (BOAT)، ونأمل أن يكون ماورد بخطاب الوزارة بخطأ مطبعي وليس(منهجي ومعرفي).. المهم ذاك هو القرار القاضي بتجميد قروض المطار الجديد - وهي في خزائن جهات التمويل - وذلك لتحويل غرضها إلى مشاريع أخرى ..!! ** القروض المصدقة لمشروع المطار الجديد من مصادرها، كما تعلمون، على النحو الآتي : (الصندوق العربي 175 مليون دولار)، (الصندوق الكويتي 85 مليون دولار)، (البنك الإسلامي 150 مليون دولار)، (الصندوق السعودي 150 مليون دولار)، (أوبك 30 مليون دولار)، (تركيا 160 مليون دولار)..تلك المصادر - كما أسماها القرار الوزاري - حين وافقت على تقديم تلك القروض للسودان لصالح مشروع المطار الجديد، لم توافق في ساعة ضحى أو (عشرة ونسة)، بل أرسلت بعثاتها الاقتصادية إلى السودان ودرست مشروع المطار الذي تقدمت به حكومة السودان لنيل القروض، واطلعت على دراسة جدواه التي وضعتها شركة ألمانية، وزارت موقع المشروع، ثم رفعت توصياتها إلى مجلس إدارة تلك الصناديق، والتي حولتها إلى لجانها الاستشارية بالكويت وأبوظبي، ثم اقتنعت اللجان بالجدوى ووصت الصناديق بالموافقة، فوافقت، وتم توقيع اتفاقيات الاستلام مع فترة السماح عند التسديد(5/ 6 سنوات)..!! ** أي عمر تلك الإجراءات فقط - وهي التي مر بها طلب قرض المطار في دهاليز أجهزة الجهات الممولة، حتى نالت الموافقة - يساوى عمر آخر تشكيل وزاري لحكومة السودان، وقد يكون أطول من ذاك التشكيل عمراً، وهذا ما يسمى - عند الآخرين – بال(النهج العلمي).. ولو انتابت تلك المصادر ذرة شك أو توجس حول جدوى مشروع المطار، لما وافقت على التصديق بكل تلك الأموال ولما وقعت اتفاقياتها مع حكومة السودان..ولكن وزارة ماليتنا تظن بأن جرة قلم - من وزيرها - قد تحول بند تلك القروض من المطار الجديد إلى أي مشروع آخر، مشروع مكافحة القُراد مثلاً أو مشروع دعم الحجاب على سبيل المثال، أو حتى ولو مشروع زراعة كل الأرض ذهباً وزمرداً، ناهيك عن زرعها فولاً وعدساً..لا يا سادة يا كرام ، ماهكذا تدير الصناديق والدول قروضها، بحيث يحولها أي وزير أو أية حكومة من بندها المصدق له وفق دراسات الجدوى إلى بند آخر مجهول الجدوى، كما يشاء الوزير أو تشاء الحكومة.. وعليه، لكي لا يخسر السودان المطار الجديد ومبلغاً يتجاوز نصف المليار دولار، يجب أن نسهب في توضيح آثار هذا القرار..عسى ولعل نثير انتباهة رئاسة الجمهورية، قبل البكاء على اللبن المسكوب .. !!