ليس مستحيلا الانتقال إلى دولة مدنية تتميز بكفالة كل الحقوق بما في ذلك (حق التظاهر) الذي بات الآن مقياسا للديموقراطية. وفي هذا السياق من الوارد إساءة بعضهم لحق التظاهر ولجوء الشرطة لفضهم بالقوة. بل من الوارد إساءة بعض أفراد الشرطة أداء واجبهم وقتل وإيذاء أشخاص أكثر مما يجب. وهنا تدور الدائرة القانونية على الدولة لتحاكم جندها وتسجنهم وتغرمهم و.. النقطة الجوهرية في كل هذا وجود معادلة سياسية آمنة لحق التظاهر. هذه المعادلة تتجسد في صورة إعلامية ساطعة مثل الشمس (غير مفبركة) لحراك سلمي مستمر واحتجاجات في الهواء الطلق، وإزالة لمراكز قوى بأيدي المواطنين العارية وبأبدانهم التي تفترش الميادين (ليس استئصال الدولة بل التخلص من بعضها). وجود هذه الصورة الحقيقية يبرر أي أحداث مؤسفة. وبضدها تتمايز الأشياء ... فالحراك السلمي وليس (الدعاية الببغائية) هو الذي يجعل (المخططات!) و(المؤامرات!) واضحة مثل البقع السوداء في ثوب نظيف. حماية الحكومة لحق التظاهر السلمي ومنح الجماهير هامشا واسعا للتعبير عن مطالبهم هو الذي يمنحها مصداقية عندما تقمع (المخربين) حتى لو أدى الأمر إلى قتل بعضهم إذا كان يحمل سلاحا وينوي القتل وفي هذه الحالة (حقوق الإنسان) تلزم الدولة بقتله أو تعطيله بطلق ناري. وإذا فرطت الدولة في ذلك تكون قد انتهكت حقوق الإنسان, إذ أن قتل أو إيذاء فرد أمر مطلوب لحماية مئات الأرواح. لذلك ظللت أردد وأكتب لمدة عام أن الدولة هي التي تحتاج إلى (المتظاهرين) وتحتاج إلى حراك مطلبي وأن المؤتمر الوطني إذا لم تكن لديه عقول قادرة على تأسيس هذه (المعادلة) فهو ليس حزبا طليعيا ولا يحزنون. أكرر.. هو دور الحزب وليس دور جهاز الأمن ولا قوات الشرطة. دوره أن يشرع في دراسات ومناقشات داخله وخارجه حتى يكون لدينا قانون أو حتى مواد قانونية تنظم حق التظاهر عبر أجسام وكيانات مدنية وطنية. الدولة هي ذاتها الآن تخالف القانون الذي ينص على فض التجمعات غير المصدق بها وذلك عندما تنزل (أحيانا ممثلة في الرئيس!) للشارع وتفاوض ثم تنسحب دون أي ضرر. أين القانون إذا؟! هذا يعني أن الدولة تعترف ضمنيا أنه غير واقعي! أين اللجان الشعبية؟ لماذا لا يكون لديها دور في إدارة الحراك المطلبي، وفق لوائح محلية لقيود التظاهر: عدم إغلاق الشوارع وتحديد المسئولين عن المظاهرة، وحظر غير السكان في الحي و..., هذا على مستوى المحليات. وعلى مستوى النقابات والمنظمات الوطنية المسجلة والمرخص بها والتي تجدد رخصتها سنويا ولديها مقر وشخصية قانونية و... أليست الساحة محتاجة لمظاهرات واعتصامات أم أن الحكومة تتخوف من (عصيان مدني)؟! وتتخوف من استغلال (العملاء!) للمظاهرات وتسييسها؟! ما هو دور (المؤتمر الوطني)؟! إذا كان لديه منهج وفكر في إدارة المطالبات، إذا قدم المؤتمر الوطني قيادات نقابية وشعبية وفي العمل الطوعي، وكانت قادرة على تحصين قواعدها من الاختطاف السياسي.... فهذا يعني أن المؤتمر الوطني له مقومات البقاء كحزب حاكم (والعكس بالعكس).!