هب أنه نفذ تهديده ورمى بنفسه من البرج الذي يبلغ طوله "130"مترا إلى الأرض هل كان سيكون مصير البلاد كما مصير تونس التي ألهبها حريق البوعزيزي لنفسه. يتشابه الظرفان، وتختلف النتيجة، فالشاب السوداني الذي حاول الانتحار مطالباً بحضور رئيس الجمهورية يعيش نفس حالة إحباط البوعزيزي، حيث أوصلته حالة الإحباط تلك إلى التفكير في إنهاء حياته منتحراً بسبب معاناته من العطالة وعدم إيجاد عمل يقتات منه وفشله في الذهاب إلى مناطق الذهب. المحكمة التي نظرت في الموضوع كقضية جنائية فقط أدانت الشاب العاطل تحت طائلة القانون وأصدرت حكمها بمعاقبته شهراً على محاولة الانتحار، وهكذا يتصور للجهات القانونية أن المشكلة انتهت بإصدار العقوبة على جريمة الشروع في الانتحار. قبل عدة أيام حاكمت إحدى المحاكم لص بسبب التهامه لطعام مسروق من ثلاجة أحد ضحايا اللص بعد أن دخل منزله بلا استئذان.. اللص كان يستجدي القاضي أن ما دفعه إلى فعلته تلك الجوع والجوع كافر.. قال إنه كان يرتجف من الجوع لأن الزاد لم يدخل جوفه لعدة أيام، المحكمة لم تبحث عن السبب لأنه مسؤولية جهات أخرى، فأصدرت حكمها على اللص بالسجن بعد أن أدين بمواد معاقبة السارق.. قد تبدو مثل هذه القضايا بسيطة لدى البعض خاصة مع انشغال الدولة بجهازها التنفيذي والتشريعي والإعلامي وبأحزابها ومنظماتها بقضايا سياسية من شاكلة مذكرة الألف الجديدة والبحث عن أب شرعي لها ومثل فتاوي استتابة المهدي والترابي وتبرع والي القضارف لمبنى أمانة حكومته لمستشفى العيون، واعتزام هندة زوجة الرئيس دبي رفع دعوى ضد ندى القلعة لأنها طاعنتها في حفل زفاف رئيس تشاد الأخير وغيرها من القضايا التي هي ليست من صميم احتياجات الناس وواقع معاشهم بسبب ارتفاع معدلات الفقر وزيادة نسبة العطالة والبؤس وعدم وجود عدالة اجتماعية بين المواطنين.. السؤال: هل من جهة أو جهات عليها النظر في مثل هذه القضايا التي تؤدي إلى محاولة الانتحار او اقتحام منزل بسبب الجوع بغير إخضاعها للقانون الجنائي بحيث يعاقب الشخص على ما يعتقد أنه جرم وتهمل القضية الإنسانية والاجتماعية الأكبر والأهم، تمنيت لو ألحق بالنيابات والمحاكم الموجودة بطول البلاد وعرضها أخصائيين اجتماعيين ونفسيين لتحليل مثل هذه الظواهر.. وبدلاً من أن يصدر القاضي حكماً جنائياً يصدر حكماً إنسانياً آخر بإحالة الملف إلى جهات أخرى لمعالجة الحالة وليس لإنزال العقوبات.. حل المشكلة يتم عبر معالجة الأسباب عبر آليات أخرى تعتمدها الحكومة لمعالجة قضايا الفقر والبطالة.. زكاة- تمويل أصغر- تشغيل- خريجين- أسر منتجة. حالة الإحباط التي يعاني منها كثير من الشباب لن ينحصر محيط تأثيرها فقط على الأسرة الصغيرة أو على الشخص نفسه الذي يقوم على سلوك يضعه تحت طائلة القانون كما حالات السرقة أو الشروع في الانتحار أو حتى حالات الانحراف الأخلاقي والسلوكي خاصة بالنسبة للنساء. بل الخوف أن تتمدد إلى شعور عام بالإحباط للسواد الأعظم من الشعب السوداني، وإذا ما حدث ذلك فإن كل المعالجات من على شاكلة "أنا فهمتكم" ستكون متأخرة. البلد تحتاج إلى برنامج عمل متكامل لحل مشكلات البطالة والفقر.. وبهذه المناسبة أين استراتيجية محاربة الفقر "طولنا ما سعمنا عنها شيء"