يتساءل البعض عن موضع السودان في إستراتيجية تنظيم الدولة (داعش)، خاصة بعد أن اختفى من خارطته الأخيرة التي نُشرت في مارس الماضي، والتي كشفت عن الأولويات الإستراتيجية للتنظيم، والتي أُطلق عليها "السمكة في الصحراء"، التي تقوم على الانسحاب من المكان الذي يتعرض فيه لهجمات عنيفة، ليخرج في مكان آخر غير متوقع من قبل الخصم، كما يُستعمل هذا الأسلوب في الوصول إلى مناطق جديدة بعيدة عن المناطق التي يوجد فيها، غير معترف في تحركاته تلك بحدود (سايكس بيكو)، ليعلن التنظيم عن نفسه بقوة مؤخراً في ليبيا وسيناء، الأمر الذي يشير إلى أن التنظيم يسعى لنقل مركز ثقل الصراع الإقليمي إلى الأراضي الليبية، في حال تراجعه في جبهات العراقوسوريا. مورد دائم معظم تقديرات المراقبين تشير إلى أن إستراتيجية داعش تجاه السودان تضعه كمورد للمقاتلين والكوادر المساعدة للمقاتلين من أطباء وفنيي المختبرات والمتخصصين في برامج الكمبيوتر من مصممين ومنتجين وغيرهم، أكثر من كونه أرضاً لمعركة قادمة على الأقل حتى الآن. ويقول الباحث في مجال الجماعات الإسلامية محمد الخليفة، إن الجماعات المتطرفة بشكل عام (داعش، وجبهة النصرة، وبوكو حرام)؛ تتعامل مع السودان بشيء من التحفظ. ويضيف الخليفة في حديثه ل(السوداني) أن القاعدة وعدت في وقت سابق بدخول دارفور واستهداف القوات الدولية؛ إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن. ويشير الخليفة إلى أن طبيعة المجتمع السوداني تحرم داعش من الحاضنة الاجتماعية، ويلفت إلى أن داعش لا يضع السودان وأفريقيا جنوب الصحراء ضمن أولويّاتها في المرحلة الحالية، وتركز في إستراتيجيتها الحالية على الشرق الأوسط، ويمكن لها أن تنسق مع تنظيمات ممثلة لها في المنطقة، ويقول: "لم يحظَ إعلان بوكو حرام البيعة للبغدادي وتنظيم الدولة بالاحتفاء اللائق". ويختم الخليفة حديثه بالقول إن أفريقيا بشكل عام تمثل حديقة خلفية للتنظيم، ولكن بشكل عام لا يمكن لهم التقدم كما حدث في العراق في الدولة المستقرة في دول المنطقة، وتعتمد عليها باستقطاب الأفراد منها. وليس بعيداً عن هذا يذهب المفكر الإسلامي د. محمد المجذوب، إلى ضعف إمكانية داعش في السودان لاعتبارات تتعلق بوجود نظام إسلامي حاكم في السودان، ويضيف في حديثه ل(السوداني): "وجود نظام يتبنى الإسلام في السودان يؤخر جداً من ظهور داعش". كادر مفضل في ذات الوقت، ثمة من يرى أن السودان ظل حاضراً في جدول تنظيم الدولة وبقية التنظيمات الجهادية. ويقول الصحفي المهتم بشأن الجماعات الإسلامية الهادي محمد الأمين، إن السودان حالياً بمثابة ارتكاز ونصر لتنظيم الدولة، ويضيف ل(السوداني) أن داعش تفضل الكوادر السودانية لما تتمتع بهذه الكوادر من الشجاعة والصبر. ويستبعد الأمين أن تنشط داعش أو غيرها من التنظيمات عسكرياً في السودان في الوضع الراهن، ويقول: "تنشط داعش عادة في الدولة الضعيفة أو التي تشهد تدخلاً عسكرياً أجنبياً"، ولا يستبعد الأمين في المقابل حدوث بعض التفلتات. توسعات إستراتيجية في السياق، أشار معهد "دراسات الحرب" الأمريكي، إلى أن داعش يسعى خلال العام الحالي لتحقيق هدفين مهمين هما: "أنها تدعم دفاعها داخل العراقوسوريا، والثاني أنها تسعى للتوسع الحرفي للخلافة"، وأضاف في دراسة أمنية أن التنظيم بدأ أهدافه بإعلان توسعه في ليبيا وسيناء. وترى الدراسة أن التوسع العالمي هو الحافز الذي يرغب في نشره تنظيم داعش في بعض الأحيان، عندما يعاني من خسائر تكتيكية؛ وبالتالي، فإن التوسع في مناطق جديدة هو عملية دعم دفاعية، وخطة تنفيذية ملموسة لزيادة حجم الخلافة. كما ترى أن "داعش" تؤطر إستراتيجيتها عبر ثلاث حلقات جغرافية: الحلقة الداخلية في بلاد الشام؛ والخارج القريب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ والخارج البعيد في أوربا وآسيا والولايات المتحدة. ويتوافق الإطار الإستراتيجي لداعش مع حملة شاملة ثلاثية الأهداف: للدفاع داخل العراقوسوريا؛ ولتوسيع عملياته إقليمياً؛ والعرقلة والتجنيد على نطاق عالمي. وفي السياق، يقول القيادي بتنظيم الدولة أبو رحيم الليبي، إنه يدعو قيادات التنظيم لجعل ليبيا أرضاً للخلافة، وأضاف أبو رحيم في دعواه في أحد المنتديات الجهادية: "إن الحدود الجنوبية لليبيا تمثل أفضل الطرق لتحركات المجاهدين، إضافة لكونها غنيةً بالموارد المائية والنفطية، علاوة على كونها مفتوحة على ست دول". وأشار أبو رحيم إلى أن ليبيا تمثل مفتاحاً للتمدد في المنطقة في دول من بينها السودان، بجانب أنها متاخمة للسواحل الأوروبية ويمكن استخدامها لإحالة الجنوب الأوروبي للجحيم - على حد تعبيره -. داعش والسودان.. هل تلجم الفتاوى انضمام السودانيين؟! أصدرت هيئة علماء السودان فتوى تحرم انضمام الشباب لتنظيم الدولة الإسلامية. وقال الأمين العام لهيئة علماء السودان، البروفيسور محمد عثمان صالح في تصريحات للزميلة (المجهر السياسي): "لا يجوز الانضمام لأي مجموعة متطرفة مثل داعش تقتل الناس وتفعل الأفاعيل"، وأضاف: "التطرف ليس من الدين". وكانت عدد من الدول قد أصدرت فتاوى تحرم الانضمام لتنظيم الدولة على رأسها بريطانياوسوريا والأردن ومصر، ونصت على أن معارضة المسلمين لآيديولوجية «داعش» تُعد فريضة واجبة. أما في السودان فقد قال عدد من الدعاة بحرمة الانضمام لداعش، ووصفوا التنظيم بأنه صاحب فكر منحرف. وانتقد الداعية الشاب مزمل فقيري داعش وحذر من الانضمام إليه، وانتقد سفر الشباب والشابات إليه، وقال: "لا يجوز للمرأة السفر دون محرمها حتى لو كان للحج، فكيف يسافرن للانضمام لداعش". في المقابل، يقلِّل الباحث في مجال الجماعات الأصولية بابكر فيصل، من تأثير مثل هذه الفتاوى على انضمام الشباب لداعش، ويقول في حديثه ل(السوداني): "تنظر هذه الجماعات لمثل هذه الفتاوى باعتبارها صادرة من الهيئات التابعة للسلطة". ويلفت فيصل لصدور فتاوى بذات الشكل في سوريا وليبيا، ولكن دون نتائج فاعلة. ودعا فيصل لإجراء جملة من المراجعات الفكرية لمواجهة داعش