كان المنصف المرزوقي رئيس تونس (وما يزال) واثقا من استقرار تونس وقد دشن في ذلك عبارات جريئة منها: (تونس هي مختبر الديموقراطية العربي)، (لا بد لكل دول الربيع العربي من اتباع الوصفة التونسية) وهو يقصد بذلك (تحالف الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين) إذ إنه جزم بأن أي وصفة غير هذه ستؤدي إلى تنامي التطرف. أعتقد أن وصفة المرزوقي يجب أن نختزلها في وصف (الاعتدال) ولكن موضوع العلمانية يشمل تونس وتركيا و(نوعا ما مصر) لكنه غير وارد في اليمن والسودان وليبيا وعدد من الدول. العلمانية في تونس علمانية وطنية وقديمة وقوية، المنصف وغيره من العلمانيين لا يقبلون إملاءات خارجية، بل إن فرنسا كانت تريد بقاء ربيبها (بن علي) ولا تريد الدكتور المنصف المرزوقي الذي درس في جامعاتها وتخرج في علم الأحياء الدقيقة، وهو رجل علماني ولكنه وطني حتى النخاع وهو من الذين قادوا مع الإسلاميين التعديل الدستوري الذي يقضي برفض أي ترشيح للرئاسة أو رئاسة الوزراء لشخص يحمل جنسية دولة أجنبية. المنصف إذا يتحدث عن علمانية لا تشبه (قطاع الشمال) في السودان الذي يعتبر نفسه جزءا من كيان رئاسته في جوبا ولم تسعفه حتى الدراما السياسية باستباق الانفصال بخطوة مهمة وهي تكوين حزب جديد لا علاقة له بدولة أخرى ولا بالمرحلة التي احتضنت فيها الدوائر الغربية (البيض العلماني السوداني) حتى فرخ وعشعش. منظمات المجتمع المدني في تونس قوية، يوجد علمانيون على مستوى الشعب لا النخب ولكن أين هم علمانيو السودان؟ اللهم إلا إذا اعتبرنا الأمة والاتحادي أحزابا علمانية وهو أمر غير صحيح فالاتحادي يتبنى الجمهورية الإسلامية والأمة يتبنى نهج الصحوة حتى ولو كفرته الرابطة أو كفّرت كلامه (هنالك فرق كبير!). إسلاميو تركيا قاموا والمسدس العلماني مصوب على رؤوسهم وهذا غير وارد في السودان فالمسدس إسلامي. الوصفة الصحيحة أن تنشأ الحكومة من المعتدلين لكل التيارات بنسب تساوي أوزانهم في المجتمع، لا بد أن تنشأ حكومة تشبه المجتمع. في السودان (مثلا) يمكن أن ينال العلمانيون وزير دولة بالكثير والسلفيون خمس وزارات كل حسب وزنه، ولكن في تونس الرئيس علماني ورئيس الوزراء إسلامي والسلفيون وزير دولة بالكثير! في مصر يجب على الإخوان التضحية بالرئاسة مؤقتا، هذه هي الوصفة المطلوبة وهي تختلف من بلد إلى بلد، نجحت تونس في اكتشاف وصفتها، فهل تنجح بقية البلدان؟ هذه هو السؤال!