هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته حمّى التواريخ الكارثية مذهب في التفكير والشعور متفرِّع من حمّى الأحداث الكارثية، والشغف بالتواريخ هو بدعة حديثة نسبياً قياساً إلى الماضي العريق للبشر في مواجهة الأحداث مجملةً مع بدء البشرية في سيرة الكواكب والنجوم، ثم مفصّلةً لاحقاً مع العصر الحديث - بالزيادة والتنقيح - في الطبيعة الكونية التي اتسعت معرفة الإنسان بها مضافاً إليها ما صنعه الإنسان بنفسه مما هو أصغر من الذرة وأكبر من الصاروخ. ولكن بدعة الكوارث المرتبطة بتواريخ بعينها أكثر إثارة، مرة لأن التاريخ يعين على تحديد موعد الكارثة المتوقعة بدقة، ومرة لأن يوماً بعينه يصبح مدعاة لانتظار كارثة ما ( هي في الأغلب نهاية العالم) لا لشيء سوى فرادة الأرقام التي يتضمنها ذلك اليوم في التقويم الميلادي. الإنسان مجبول على التفاؤل والتشاؤم، لكنه مجملاً أكثر ميلاً إلى التشاؤم لأنه أشدّ جنوحاً بالفطرة إلى الخوف، والخوف طبيعي في الإنسان لأن سرّ وجوده مجهول حتى اللحظة، والخوف والريبة من المجهول أمران طبيعيان عدا مع المغامرين، والمغامرون استثناءٌ في البشر بينما القاعدة هي الذين يؤثرون السلامة بالحذر والترقُّب. والإنسان في الثقافات المحافظة يدفن رأسه في الرمل ( ليس بالضرورة كالنعام الذي لم يثبت عنه ذلك الصنيع) هرباً من أخطار موجودة وأخرى متوهّمة، وهو في الثقافات المقتحِمة ينبش في الحياة عن مصادر الخطر بدعوى مواجهتها ودرئها، لكنه في كلا الحالين لا يعدم سبباً وجيهاً لشم رائحة الخطر في هذه الوجهة أو تلك من الحياة، حتى إذا بسط الأمان ظلَّه على كل ما حوله عمد إلى بضعة أرقام – أو ربما رقمين لا أكثر – وحشر تشاؤمه بينها. هكذا انطلق مقدِّم برامج معروف على إحدى الفضائيات المصرية – وهو مشحون بما سبق عرضه من فطرة الخوف والتشاؤم إضافة إلى دفعة قوية من نظرية المؤامرة الشهيرة – محذراً في ثقة وحزم من كارثة ماسونية في اليوم المشهود 13/13/2013. وكانت بعض الأخبار قد أشارت قبلها إلى أن جماعة ماسونية حاولت ممارسة طقوس خاصة بالاحتفال على الملأ في منطقة مرتفعة من العاصمة المصرية بتاريخ 11/11/2011 لكن محاولتها باءت بالفشل، ولأن الأقرب إلى الخاطر أن تكرِّر الجماعة محاولتها يوم 12/12/2012 فإن مقدم البرامج "الفطن" لا يفوته ذلك ولكنه يستبعده لأن تلك الأرقام لا تحمل دلالة خاصة في الميثولوجيا الماسونية. وهكذا كان البديل جاهزاً في الرقم الأشهر في تاريخ المتشائمين، ولكن الرجل ينسى في غمرة حماسه - غير المحسوب بدقة – أنه إذا كان بوسع أيام وسنوات التقويم الميلادي أن تتضمن الرقم 13 فإن شهوره أكثر حذراً من أن تقبل في رحابها الرقم المشؤوم، فهي تكاد تقف دون بلوغه عمداً حين تكتفي بالرقم 12. ولأن البرنامج على الهواء لم يكن في وسع القائمين عليه سوى تدارك استرسال المذيع بالهمس في أذنيه، غير أن الرجل استغرق وقتاً قبل أن ينتبه إلى خطئه، ثم تعثر بعدها أكثر وهو يحاول لملمة ما تبعثر من مصداقيته على الهواء. تفاصيل القصة لا تزال متاحة في الموقع الشهير "يو تيوب"، ولن يكلِّف الأمر من يرغب في الإطّلاع عليها أكثر من كتابة 13/13/2013 على أي محرك بحث. لست بصدد التشهير بالرجل إنكاراً للمسألة على أنها دجل وشعوذة، فالمهم أنها خطأ سواءٌ أكانت بدافع الدجل أو الجهل أو الحماسة في الاجتهاد أو التعجل مطلقاً. والأهم هو السؤال عن جدوى ربط الأحداث بالتواريخ الفريدة من حيث تسلسل أرقامها المتشابهة، وإن تكن التفاسير الأكثر تطوّراً في التشاؤم تعمد إلى تواريخ أقل إثارة من حيث تسلسل الأرقام، ففي شهر نوفمبر السابق توقع البعض – استناداً إلى تفاسير خاصة للكتاب المقدّس - كارثة في مستوى "نهاية العالم" في الثلث الأخير من الشهر وليس في 11/11/2011 الشهير، وكان أولئك قد ذهبوا إلى أن موعد تلك الكارثة محسوب بدقة رجوعاً إلى سلسلة من الأسانيد المقدّسة. لعل أشهر التواريخ المخيفة كان 1/1/2000، ومرّت تلك الليلة بسلام إن من حيث بقاء العالم على حاله من الحركة الطبيعية أو تحديداً فيما يخص علّة القرن الرقمية التي خُشي فيها على أجهزة الكمبيوتر من مواجهة الصفرين، وهكذا لم تكن بداية الألفية الجديدة سوى يوم عادي هو التالي لليلة الأخيرة من العام 1999. باستلهام فكرة أستاذ عزيز – رحمه الله – أيام الشهادة الثانوية كان يعمد إلى تهدئة روع الطلبة لأن الأسوأ لن يتعدّى الرسوب في الامتحان، وبمعارضة القول الشهير تخفيفاً لكل معضلة:" هذه ليست نهاية العالم"، نقول: ما المشكلة في نهاية العالم؟ إذا كان الموت محتوماً فإن نهاية العالم لا تعني بحال أن من يشهدها سوف يُكتب له الموت مرّتين.. إنها ميتة واحدة في كل الأحوال. وإذا كانت الحياة قد استعصت على الجميع فلم تبذل سرّ نشوئها لأحد فمن العبث أن نظن أنها من السخاء بحيث تشي بتاريخ نهايتها بالسنة والشهر واليوم لأحد فيذيعه على الملأ. نتائج البحث عن "نهاية العالم" في الإنترنت تتضمن من التواريخ سنة 2000 لأن الألفية تاريخ مشهود لا يمكن تجاوزه بحال، ثم سنة 2010 على سبيل الاحتفال بالعقد الأول في القرن والألفية الجديدين، ثم 2011 لارتباطه بالتاريخ الفريد 11/11/11 إذ لم يتكرر في التقويم الميلادي رقم على هذا النحو من قبل ولن يتكرر من بعد ما مدّ الله في عمر الوجود. لا تزال قرائح الناس تتفتق عن الجديد في التشاؤم دون يأس، فنتائج البحث ذاته تتضمن العام 2012 كذلك، ولا أزال أعجب كلما تذكّرت كيف أن من ظل يبشر بنهاية العالم في يوم 11/11/2011 وفق التفاسير المغلوطة للكتب المقدسة وغيرها قد عاد إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي في 12/11/2011 .. اليوم التالي لنهاية العالم.