لا بأس من تكرار الحكاية اللاهية الغليظة القلب عن مأساة مدرسين من بلد عربي كانوا يعملون كمغتربين في بلد عربي آخر. في بلد الاغتراب الحزين تنازع زعيما قريتين، فأغار مواطنو القرية الأولى على الثانية وقتلوا مدرس مغترب، لترد القرية الثانية بقتل مدرسيْن مغتربين. في جلسة لاحقة كان زعيم القرية الثانية يحكي فخوراً "قتلوا منا مدرس مغترب فقتلنا منهم مدرسين اثنين مغتربين"! الآن تتكرر الحكاية اللاهية بين أبناء الوطن الواحد في السودان لكن الحرب في جنوب كردفان لا يقتصر من يدفعون ثمنها على العسكريين فقط وهم بشر بطبيعة الحال لهم نفس الحقوق لكنهم يتفوقون بالتدريب والتأهيل والتسليح وحزمة من القوانين توفر لهم الحماية آناء الحرب وأوان السلم. في لعبة الحرب الجديدة يفجع المرء بتصريح للناطق الرسمي للجيش الشعبي الجديد بقيادة عبدالعزيز الحلو، أرنو نقتلو لودي، يقول فيه إن حركته تحتفظ بستة مهندسين سودانيين رهن الاعتقال بعد أن تم احتجازهم ضمن فريق المغتربين الصينيين التسعة والعشرين والذي تمكنت الصين الشعبية من الضغط على الحركة الشعبية لإطلاق سراحهم أول هذا الشهر. يا للفظاعة! يحترب العسكريون فيدفع المدنيون الثمن. كاتب هذه السطور يعرف جيداً حروب الحركات المتمردة ضد الجيوش الحكومية. إذا دخل الجيش المتمرد قرية منع أهلها من مغادرتها لعدة أسباب منها: حرمان الحكومة من استخدام تفوقها التقليدي في العتاد وهو سلاح الطيران، فإذا أخطأت الحكومة التقدير فإنها لا بد مواجهة بحرب إعلامية تنقل صور الضحايا المدنيين من النساء والأطفال والمسنين وهم فعلاً أبرياء وضحايا معركة غير أخلاقية لكن الأخلاق لا تباع في أسواق الحروب. يشكل المدنيون خط دفاع استراتيجي عن العسكريين غالباً ما يتنكر العسكريون أو يقومون بتجنيد مدنيين للقيام بأعمال الاستطلاع والاستخبارات والتجسس والتجسس المضاد. يشكل المدنيون مورداً مهماً للتمويل والكسب المالي لصالح الحركات المتمردة حيث يتم استغلال وجودهم بغرض الحصول على معونات غذائية ودوائية ولوجستية. في هذا الجانب يمكن قراءة مساعي الحركة الشعبية الأخيرة من أجل الضغط على الحكومة لفتح ممرات آمنة لتوصيل الإغاثة والاجتماع الذي عقده رئيس الحركة مالك عقار مع السفير الصيني في أديس أبابا والذي سربته نشرة آفريكا-كونفيدنشيال في عددها الأخير. في كثير من الأحيان تخسر الحكومات معركتها إذ أن حركات التمرد لا تطعم المدنيين وليس أمامها في كثير من الأحيان إلا تجنيدهم من أجل الإغارة على المناطق المجاورة وهو ما كان يعرف في أدبيات التمرد السوداني باسم (التاكسيشن) وهو صيغة ملطفة للنهب المسلح. إذا تجرأ المدنيون وحاولوا الهروب فإن غالب حظوظهم تكون قاسية عند الجانبين إذ أن الاتهامات بالتجسس تكون في الغالب من نصيبهم، لهم الله. أن يعلن زعيم متمرد أنه يحتفظ بمهندسين مدنيين كأسرى ثم لا يطالب بإطلاق سراحهم أحد فهذا مثير للغضب. أين نقابة المهندسين وأين الاتحاد العام لعمال السودان وأين البروفيسور غندور؟ www.dabaiwa.com