د.أبو القاسم محمد حبيب الله بابكر يكتب لا يخفى على أحد كان متعلماً وغير متعلم أن التعليم في السودان لم يكن كسابقه وهذه الحقيقة مفهومة ومعلومة لكل أهل السودان من بدو وحضر وظهر التدني في التعليم وفي العملية التعليمية والتربوية على مراحل متعددة، كل مرحلة من هذه المراحل تحمل في طياتها أسباب تدني مستوى التعليم وآخر هذه المراحل ذلك السلم التعليمي الذي طبق في أيام وزارة الأخ عبد الباسط سبدرات نذكره بالخير ونسأل الله أن يمد في عمره. الشاهد في الموضوع ان هذا السلم التعليمي قد عصف بالتعليم في السودان لان هذا السلم لم يكن مدروساً وإن كان مطبقاً في بعض الدول إلا أن بلادنا هذه لا يصلح فيها هذا السلم لأسباب يصعب عليَّ أن أذكرها هنا حتى لا يطول المقال، ولكن نلحظ ان هذا السلم عمره الزمني ثماني سنوات في المرحلة الأولي "أساس" والمرحلة الثانية هي المرحلة الثانوية ثلاث سنوات ويلاحظ أن هذا السلم قد غيب مرحلة مهمة وهي مرحلة المدرسة الوسطي وهي المرحلة الاعدادية للتلميذ والتي بقيامها انتهت المرحلة التشكيلية والاعدادية للتلميذ لان المرحلة الوسطي وهي المرحلة التي تظهر فيها مواهب التلاميذ حيث كانت المدرسة الوسطي عبارة عن مؤسسة تربوية وأكاديمية مرحلية حيث تغطي الهوة السحيقة الموجودة الآن بين الأساس والثانوي. والجدير بالذكر هنا أن المدارس الوسطي كانت تضم إلى جانب الأكاديميات والمنهج المدرسي الذي يستفيد منه التلميذ ذلك النشاط الرياضي من كرة قدم وطائرة وسلة هذا إلى جانب النشاط المسرحي والثقافي المتمثل في قيام الجمعيات الأدبية كل يوم اثنين من الاسبوع حيث كانت هذه الجمعية الأدبية الاداة التشكيلية لهذا التطور العلمي والثقافي للتلميذ هذا بالاضافة لحصة المكتبة "المطالعة" ولكم ذُكرت تاجر البندقية وروميو وجوليت وكتاب الأيام لطه حسين والشاعر الطموح وغيرها من كتب المكتبة التي افتقدناها هذه الايام من سلسلة اقرأ وغيرها. ولا يفوتني هنا أن أنسي وجود الداخليات في هذه المدارس التي تشكل أساسا تربويا يقوم على الإنضباط والإلتزام في المواعيد والأداء المتميز في كافة المجالات والأنشطة التربوية والتعليمية وغياب هذه المرحلة "الوسطي" ظهر أثره واضحاً وضوح البيان على العملية التربوية لان هذه المرحلة نقلة إلى مرحلة أخرى أكبر وهي المرحلة الثانوية لعلكم جميعاً تدركون وخاصة التربويين وخبراء التعليم الفراغ الموجود بين المرحلتين الثانوية والأساس حيث يأتي التلميذ من مرحلة الأساس بعد أن قضى فيها ثماني سنوات حسوماً مع معلم لم ينل تأهيلاً كاملاًَ في العملية التعليمية التربوية ومعظم المعلمين الذين يقومون بعملية التدريس جلهم من خريجي المدارس الثانوية الجديدة واتحاد المعلمين لم تكن كخور طقت وحنتوب ووادي سيدنا وغيرها من المدارس الثانوية القديمة، أي أن معظمهم من حملة الشهادة السودانية التي لم تحقق لهم الدخول للجامعات السودانية آنذاك فلجأوا إلى العمل في مهنة التدريس والعمل الكتابي والحسابي. ومن المؤسف حقاً أن هؤلاء الزملاء لم يجدوا معاهد تأهيل وتدريب كما كان سابقاً حيث يتم أعداد المعلمين وتدريبهم على العملية التعليمية التربوية وهذا اللوم محسوب على وزارة التربية والتعليم التي كان من المفروض ان تعتني بتدريب هؤلاء المعلمين وإعدادهم الإعداد اللازم حتي يكونوا من المعلمين الذين يدفعون بالعملية التعليمية والتربوية. إن الفراغ الذي أحدثه السلم التعليمي باغفال وغياب المرحلة الوسطي التي تعتبر مرحلة تشكيلية للتلميذ من هنا يجب أن ندرك إذا ما لم يتم إعادة هذه المرحلة فان التعليم لا يستقيم ولا يصب في مساره الحقيقي لان تلميذ الاساس يأتي إلى الثانوي فيجد التباعد بين المنهج الذي درسه في الأساس والمنهج الذي يفاجأ به في الثانوي لأن منهج الأساس لم يكن امتداداً لمنهج المرحلة الثانوية. ومن هذا المنطلق فعلي الاخوة القائمين على أمر التعليم أن يعوا جيداً أهمية هذه المرحلة "الوسطي" ويعيدوا سيرتها الأولي وهذه تحتاج إلى قرار من السيد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير ألا استجاب الأخ الرئيس لهذا النداء وجاء بهذا القرار من فوق وهو القرار السليم وهي الطريقة التي درسنا بها جميعاً ودرس بها كل الأدباء والعلماء والكوادر العلمية والإدارية والمهنية في السودان ألا تكرمت سيدي الرئيس وفعلت ذلك وجزاك الله خيراً على ذلك وتكون لك الحسني والثواب في الأخرة. وأورد هنا ذاكرة في ذهني ان الأخ البروفيسور كمال أبو سن أخصائي امراض الكلي وهو زميل دراسة في المرحلة الوسطي وعلي شرف زيارته للمناقل زار مدرسة المناقل الوسطي والتي أصبحت الآن كلية الانتاج الحيواني جامعة الجزيرة وكنت أنا معه فبكي على اطلالها وميدانيها وفصولها وساحاتها وداخلياتها وقال لي يا أبا القاسم تعرف ان المرحلة الوسطي هي مرحلة تشكيلية للتلميذ والاستفادة التي وجدناها بالمناقل الأميرية لم نجدها حتي في الجامعة وأخذ يعدد لي مآثر المرحلة الوسطي ويقول الاخ عادل إبراهيم حمد والجمعية الأدبية وتاج الدين يوسف والكرة والحاج ادريس والكرة الطائرة وكرة السلة وهمس في أذني قائلاً أين مصطفي حسن سرور ناظر المدرسة وأمين عبد الباسط بحيري وعوض الله محمد حامد وبشير الهادي ويوسف علي يوسف والانجليزي واين الداخلية وأستاذ شنان والماحي وفتحي وعبد الله وكل هؤلاء كانوا اعلاما وأسماء سطروا تاريخهم في المرحلة الوسطي بأحرف من نور، حتي الخفراء والعمال ذكرهم فرداً فرداًَ. وآسفي على المرحلة الوسطي التي بكيت عليها كثيراً وبكي عليها غيري من زملائي وبكي عليها كل أهل العلم والتي أحسب أن بدونها لا يستقيم التعليم في السودان فهل جلس الخبراء والمتخصصون والتربويون ودرسوا أهمية هذه المرحلة فاعادوها سيرتها الأولي مهما كلف الدولة من مال حتي تستقيم العملية التعليمية والتربوية في بلادنا.