أثناء ثورات الربيع العربي التي دكت عروش أعتي الحكومات في المنطقة العربية ،كانت هواجس الاسلاميين - الذين يشكلون ابرز ركائز هذه الثورات – تزداد في كل يوم ،كانوا مهجسين من عدم قبول المجتمع لهم ،خاصة في البلدان التي ترتفع فيها درجة الوعي حيث يتطلع الناس لتجارب ديمقراطية كاملة الدسم، ولذلك طفقوا يصرحون بأن وجودهم لن يكون خصما على الحرية لاسيما في كل ما يتعلق بالفن والسياحة. لكن، وقبل أن تخبو نشوة الانتصار ،ظهرت الأفعال التي تناقض الاقوال وبدأت الحقيقة تظهر ،وكان أول ضحايا ذلك الفنان عادل إمام حيث قضت محكمة مصرية بحبسه 3 أشهر وبتغريمه 1000 جنيه بتهمة ازدراء الدين الإسلامي في أعماله الفنية والسخرية من الجلباب واللحية. وتصدرت الصحف والمواقع الإلكترونية في الأيام الماضية أخبارا عن المطالبة برجم الفنانة غادة عبدالرازق وسمية الخشاب، بتهمة تعمد تقديم مشاهد عري وخلاعة في الافلام السينمائية والتلفزيونية التي يقدمنها. وسيل مثل هذه الاتهامات ينهمر مع مرور الايام ليزيد من تخوف البعض من صعود الاسلاميين الى سدة الحكم في العديد من الدول. وفي السودان لايبدو المشهد مختلفا الا من حيث التفاصيل ،فقد بدأت منذ سنوات حملات متصلة ضد الفنون وظل بعض أئمة المساجد يشنون هجوما متواصلا على الفنانين وقد نال الاستاذ السر احمد قدور نصيبا وافرا بسبب برنامجه الشهير "أغاني وأغاني" وتعرض الفنان الراحل محمد وردي لحملات مشابهة حيا وميتا ،واستنكر البعض "المحبة" والتغطية الاعلامية الكبيرة التي وجدها بعد رحيله. لكن ما حدث للفنان جمال فرفور فاق حد التصور ،إذ نقلت الصحف أن إمام أحد المساجد بأمدرمان طلب منه الرجوع من الصف الأمامي للصفوف الخلفية وسط استنكار العديد من المصلين ،وعلى خلفية هذه المعطيات ،فقد اجتهد الفنان حمد الريح "عضو المجلس التشريعي لولاية الخرطوم" في الدفاع عن الفنانين في جلسة تم تخصيصها لشتم الفنانين وتحميلهم فشل وإنهيار ما يعرف بالمشروع الحضاري.. يحدث ذلك في الوقت الذي يعاني فيه الناس من تردي الخدمات الاساسية والفقر المدقع وسط شلالات من أحاديث الفساد الذي يمشي على أكثر من ساق! ويلاحظ المتابعون للشأن الثقافي والفني في بلادنا نمو تيار مناهض للفنون في الفترة الاخيرة ،ورغم الصعاب والاشكاليات التي تواجه المبدعين ،فإن الخطر الأكبر هو هذا التيار الذي ينسف اللبنات التي وضعها الرواد طوال اكثر من قرن من الزمان ،ويستغل هذا التيار العاطفة الدينية والاحباط لضرب الحركة الفنية الناهضة رغم الصعاب. إن الوضع ينذر بفتح العديد من بؤر التوتر في بلد يعاني من إنعدام الاطمئنان في كل الجبهات، ويبقى على الجهات المسؤولة، ومنظمات المجتمع المدني أن تنهض في إعادة الحياة السودانية الى طبيعتها المتسامحة والتي تدور في فلك التعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي والإثني والامر من الخطورة بمكان، لذلك فإن ترك النيران تشتعل من هنا وهناك سوف يؤدي الى حريق هائل يقضي على ما تبقّى من البلاد! فلات الجماهيرية فقال ان الفترة الاخيرة كان خارج السود