أعتقد أن الشهيد العظيم ماري جرجس يعد محطة من محطات التلاقي بين المسيحية والإسلام، وهو شهيد فلسطيني من القرن الثالث الميلادي، وقف ضد طغيان الحاكم المستبد الإمبراطور دقلديانوس، ومزَّق منشور الإمبراطور في ميدان عام، وحاول الإمبراطور أن يستميله لعبادة أوثانه الخرقاء الصماء، فعقد حواراً طويلاً معه، وعُين سبعون قاضياً لمحاكمته، وأخذت المحاكمة سبع سنوات، كان فيها في كل يوم ينضم إلي المسيحية آلاف مؤلفة، إيماناً بقوة الله التي عاشها مارجرجس وحماسه الملتهب في الإيمان. قد صار مارجرجس بعد موته شهيداً شفيعاً للكثيرين، للكشافة، للجنود، للمسيحيين، للمسلمين، وقد سمي سريع الندهة لأنك عندما تطلبه يأتي إليك سريعاً، ومارجرجس فارس من فرسان روما، وهناك طرفة تقول أن أحدهم أستشهد بالأنبا رويس، ورويس تعني جمل صغير، فهو كان يركب الجمل، وعاش مع الجمل طوال حياته كصديق عزيز أليف، وتقول الطرفة أن أنبا رويس تأخر في الحضور لمن طلبه، فطلب الرجل مارجرجس الذي أتي سريعاً وأنقذه من موقف صعب، وبعدها جاء إليه الأنبا رويس فقال له معاتباً: لماذا تأخرت يا سيدي؟ لقد جاء إليَّ مارجرجس سريعاً ولم يتأخر فقال الأنبا رويس معتذراً يا ولدي أن مارجرجس فارس عظيم يركب حصانه ويأتي سريعاً، وأنا ليس لي سوى الجمل الذي لا يسابق الفرس. ويحمل مارجرجس أسماء عديدة فهو سان جورج، وهو مارجرجس، وهو يورغو، وعند المسلمين يطلق عليه الخضر، وفي السودان تمتلئ كنيسة مارجرجس في الخرطوم بحري، والشهيدين، والأبيض، والقضارف، والدامر، بالعدد الكبير من المسلمين الذي يحضرون عيده مع أخوانهم الأقباط، وأذكر أن عدداً من أصدقائي المسلمين قالوا لي إنهم سمعوا بإنقلاب عبود وهم في كنيسة مارجرجس بالخرطوم بحري في 17 نوفمبر في عيد الشهيد. ويذكر الأدب اللبناني قصيدة للشاعر خالد الجرنوسي، أهداها إلي الشهيد مارجرجس، وجاءت في ديوانه اليواقيت، ياقوته تتلألأ جمالاً وأدباً، وقد نال بهذا الديوان جائزة المجمع اللغوي للشعر عام 1954م، وقد طبع ديوان اليواقيت في نفس العام. ويحكي الشاعر خالد الجرنوسي أنه رأي الخضر عليه السلام ذات ليل، بين النوم واليقظة، هابطاً من سمائه يتجلي في محياه رائع القسمات، في ثياب كأنها النور مبيض، وهو فيها كلمحة المشكاة، وتحدث معه: قلت يا شيخ من تكون فإني ** همت عشقاً بحب تلك الذات قال سان جورج إن إردت وإلا ** فأنا الخضر صاحب الخطوات أعجمي الشعوب يعرف قدري ** والحجيج المفيض من عرفات بينما يهتفون في النيل بإسمي ** يتعالي هتافهم في الفرات أذرع الأرض كل طرفة عين ** وأطوف الوجود في لحظات وقد تغني العطبراوي بكلمات الشاعر الفحل محمد علي طه، ويري البعض أن هذه الأغنية هي أغنية مسيحية، وفي مقال بدر الدين حسن علي، يقول:- ونحن في ثقافتنا الغنائية نردد دائما أغنية زيدان "وأبقى ليها راهب وأعبدها، وأغنية الفنان القامة مصطفى سيد احمد "مريم المجدلية" أو قصيدة أبو صلاح التي يقول فيها "لي في المسالمة غزال"، والمسالمة من أعرق أحياء أم درمان ومعظم سكانه من الأقباط، ولا ننسى ذلك الشاعر الرائع محمد علي طه العاشق للفتاة المسيحية الذي غنِّي له الراحل المقيم حسن خليفة العطبراوي "أغنية مسيحية " التي كنا نرددها في صبانا : يا سلوة المحزون ... يا قيثارة القلب الجريح يا درة فاقت على الاتراب... بالقد المليح يا زهرة أنفاسها كالعطر... عَبَّقَ بالضريح أهوى جمالكِ والشعور يزينه القول الصريح قد هزني منك الجمال فجئت بالشعر الفصيح فترفقي يا هذه .. فالناس من جسدٍ وروح وبحق بطرس يا فتاتي. من شفى الرجل الكسيح وبمريم العذراء.. والأحبار والراعي الصليح وبماري جرجس والصليب وبالكنيسة والمسيح بالقس بالمطران.. بالجرس المُرنُّ على السطوح بمعاهد الرهبان بالدير المقدس .. بالمسوح برسائل الميلاد .. بالشجر المنور .. بالصبوح بقداسة البابا المعمد .. بالمسوح وبالذبيح أن ترحمي متعذباً يهواك في حُبٍ .. صحيح متى يتم لقاؤنا ... في شاطئ النيل الفسيح والموج والصفصاف والقمر المطل على السفوح أنين ساقية تدور .. وصوت مزمار يصيح بدت نجوم الفجر بالأضواء في الافق تلوح وتجئ شقشقة الطيور كرنة الوتر الذبيح هناك ينبعث السرور على النفوس فتستريح