أربع بلحات ويد نظارة – جزء من مقتنيات كانت بمعية الشاعر الراحل محمد الحسن سالم حميد – عثر عليها شخص تصادف وصوله الى مكان الحادث في طريق الشمال بعد دقائق معدودة من وقوع الكارثة – حمل الرجل ما عثر عليه الى البركل. انتهت الغنيمة عند الصديق المهندس عمر عابدين الذي سارع بتصويرها ووضعها على صفحته في الفيس بوك. كسرت يد النظارة من مفصلها - ولا ادري ما اذا كانت الصدفة هي ما دفع عمر عابدين لترتيب البلحات على هذا النحو قبل تصويرها حيث بدت وكانها حبيسة سور شكلته يد النظارة او سفينة تقترب من شاطيء منحني " حسب انحناءة يد النظارة". الملفت في الصورة كثافة الايحاءات وسهولة التقاطها وإعادة تفسيرها على وقع الحادث وغياب حميد. الصورة واضحة – احدى البلحات بدت وكانها اصيبت في الحادث المؤسف ايضا – خرجت بكدمة– بدت غامقة بعض الشي- هذا ما لمسته في عجالة وانا اتأمل الصورة او صورة حميد الراسخة في ذاكرتي ووجداني ووعيي. أي زاد كنت تحمل يا حميد – فالتمر طعام الزهاد وزادهم – شئ يسد الرمق ولا يشبع ابدا – من قال انك كنت ممن ينشدون الشبع والامتلاء – نشهد انك لم تكن نهما الا في حب الوطن والحض على حبه . اية دلالة يمكن استخلاصها من موتك وظروفه وما تركت من اشعار وسيرة - ومتعلقات بسيطة ضخمها الموت ونفخ فيها – صدقني لم تعد البلحات كما كانت ساعة ألقيتها في جيبك - ولم تعد يد النظارة مجرد قطعة من البلاستيك المقوى او ما شابه. تعرف ويعرف العالم كله قصة نظارة غاندي الدائرية المتقشفة وكيف تحولت الى مزار يؤمه ملايين السياح من داخل وخارج الهند للتعرف على محتويات متحف محرر الهند وملهمها الاول. لست خبيرا ولا ناقدا في ما يخص التصوير والتشكيل والرسم عموما – لكن صورة البلحات ويد النظارة تحتاج لقراءة خاصة- يستخلصها الناظر من حميد الكامن في وجدانه ووجدان الشعب برمته - ومن فداحة الفقد جراء حادث سير سطرته الأقدار قاطعة حبال "لو" التي لو تركت لغطت الأرض بأركانها الأربعة. انها الشخصيات العامة – موتها لا يخصها وحدها – لأنها لا تذهب إلى القبر بجسد فانٍ وسجل خالٍ من الانجازات – أمثال حميد لا يموتون بمفردهم ولا يُلحدون كالاخرين – ثمة ما يميز موتهم. هناك نفس جماعي يكتنف هذا النوع من الموت – يضاعف الشعور به – يعممه ويوسع نطاق الاحساس به والتفاعل معه - انظروا للبلحات الاربع ويد النظارة وما فتحته من نوافذ على تجربة حميد ومكانتها في المشهد الشعري الوطني بكل مكوناته وآفاقه المفتوحة على اللغة بشقيها العامي والفصيح - والوجدانين الخاص والعام – الاول الذي يخص الشاعر والثاني الذي يخص العامة وظروف تشكله وتجاذباته المرئية وغير المرئية. اربع بلحات ويد نظارة كان لها ان تنتهي في أية معدة "البلحات" او ان تلقى في اقرب سلة مهملات "يد النظارة" لكن الاقدار ارادت لها دخول التاريخ من باب حميد الذي اقتناها ذات حياة وخسرها لحظة موته لتحيا بعده وتذكر به رغم انه حصن نفسه ضد النسيان.