تحتفل الكنيسة كل عام بعيد الغطاس المجيد، ويقع بعد عيد الميلاد المجيد بإثني عشر يوماً، ويوافق الحادي عشر من طوبة كل عام، ووافق هذا العام يوم 19 يناير2012م، وقد جاء خبر عماد أو غطاس السيد المسيح من يوحنا المعمدان في الإناجيل الأربعة ونورد هنا ما ذكره إنجيل متي البشير حيث يقول: حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلَكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!» فَقَالَ يَسُوعُ لَهُ: «اسْمَحِ الآنَ لأَنَّهُ هَكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ». حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ فَرَأَى رُوحَ الله نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».(متي). وفي إنجيل يوحنا يذكر عن المعمدان أنه لم يكن قد التقي بيسوع من قبل، فلقد كانت طفولة المعمدان في البرية بينما طفولة يسوع في الناصرة، وهناك علامة إلهية جعلته يتعرف عليه بالروح، فقد قال المعدان: وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.(يوحنا33:1). لقد ظهر الروح القدس في هيئة حمامة بيضاء نقية وديعة رقيقة هي أبدع وأروع رمز للمحبة والسلام في العهد الجديد عهد المحبة والسلام، وفي هذه الهيئة رأي يوحنا المعمدان روح الله القدوس نازلاً علي فادينا الحبيب كإشارة بليغة، وبالغة الدلالة، وعميقة المعني، ليفهم منها يوحنا أن هذه العلامة التي حددها ليتعرف علي السيد المسيح، وكان الإحتفال بعيد الغطاس كل عام، إحتفالاً مسيحياً رائعاً، وقد ربط أقباط مصر بين هذا العيد ونهر النيل وفي الكنائس التي تقع بالقرب من نهر النيل، كان الناس يخرجون من الكنائس، ويغتسلون في نهر النيل كبداية طاهرة لعام طاهر ومقدس، وعندما دخل الإسلام إلي مصر إعتمد هذا العيد، وكان الحاكم المسلم يشارك المسيحيين في الإحتفال بهذا العيد الذي عرف في القرآن الكريم بأنه يوم الزينة، وربما بقصد بيوم الزينة يوم وفاء النيل، ولكن عيد الغطاس كان يحفل بالكثير من الزينة. وكانت الروضة هي مكان الإحتفال العام بيوم الغطاس، والروضة علي نهر النيل، وفيها أقدم مقياس للنيل، وكان بها العديد من القصور والقاعات لممارسة الإحتفال، وجاء في الخطط التوفيقية عن هذا الإحتفال نقلاً عن المسعودي ما يلي:- من مواسم النصاري بمصر عمل الغطاس في اليوم الحادي عشر من طوبة، قال المسعودي في "مروج الذهب": ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وهي ليلة أحد عشر من طوبة، ولقد حضرت سنة 330ه ليلة الغطاس بمصر، والإخشيد محمد بن طغج في داره المعروفة "بالمختار" في الجزيرة الراكبة علي النيل، والنيل مطيف بها، وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع، وقد حضر بشاطئ النيل في تلك الليلة ألوف من الناس من المسلمين والنصاري، منهم في الزوارق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم علي الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف، وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سروراً، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ونشرة للداء. في سنة ثمان وثمانين وثلثمائة كان غطاس النصاري فضربت الخيام والمضارب والأسرة في عدة مواضع علي شاطئ النيل، ونصبت أسرّة للرئيس فهد بن إبراهيم النصراني كاتب الأستاذ برجوان، وأوقدت له الشموع والمشاعل، وحضرت المغنون والملهون، وجلس مع أهله يشرب إلي أن كان وقت الغطاس، فغطس، وإنصرف، وقال في سنة 415ه وفي ليلة الأربعاء رابع ذي العقدة كان غطاس النصاري، فجري الرسم من الناس في شراء الفواكه والضأن وغيره، ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله إبن الحاكم لقصر جده العزيز بالله بمصر لنظر الغطاس، ومعه الحرم، ونودي أن لا يختلط المسلمون مع النصاري عند نزولهم إلي البحر في الليل، وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولي الشرطتين خيمة عند الجسر، وجلس فيها، وأمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بأن توقد المشاعل والنار في الليل، فكان وقوداً كثيراً، وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان والنيران، فقسسوا هناك طويلاً، إلي أن أغطسوا، وقال إبن المأمون: إنه كان من رسوم الدولة أن يفرق علي سائر أهل الدولة الأترج والنارنج والليمون المراكبي وأطنان القصب والسمك البوري، برسوم مقررة لكل واحد من أرباب السيوف والأقلام.