وصف سيمون ميور وهو شاب جنوبي في عقده الثالث لجأ لإسرائيل هربا من ويلات الحرب التي طالت الآلاف من أبناء جلدته بلهجة عبرية لا تستطيع أن تتبينها بسهولة الأوضاع بالدولة الجديدة بأنها "فوضى"، مضيفا "جميعنا يرغب في العودة ولكن الذهاب للجنوب في الوقت الراهن مخاطرة، إنها ليست دولة إنها سراب فكيف ترسلوننا إلى هناك؟"، وأعترض سيمون على قرار السلطات الإسرائيلية القاضي بترحيل الجنوبيين إلى موطنهم وقال "لسنا لصوصا فلماذا يعاملوننا هكذا؟"، وكانت "سينماتيك" تل أبيب قد شهدت مطلع الأسبوع الماضي تظاهرا لآلاف المهاجرين الأفارقة ونشطاء حقوق الإنسان المناهضين للقرار، وارتفعت هتافات منددة بخطورة الأوضاع الأمنية بدولة الجنوب. مصير مجهول أثار تقرير حديث نشر بموقع (جورسليم بوست) تساؤلات عديدة بشأن أوضاع اللاجئين السودانيين بتل أبيب وسلط الضوء على المخاوف المتزايدة حول مصير سبعمائة من اللاجئين الجنوبيين الذين هددت السلطات الإسرائيلية بترحيلهم في حال لم تتم مغادرتهم في نهاية الشهر الحالي، وكانت قد انقضت ثمانية أشهر على خروج مئات المهاجرين الجنوبيين إلى شوارع تل أبيب بتشجيع من الدولة معبرين عن فرحتهم بالانفصال وتكوين دولتهم الجديدة بالرقص والغناء تحدوهم الآمال بفكرة العودة إلى موطنهم، ولكن بالنظر للأوضاع الحالية فقد تبددت الآمال وتزايدت المخاوف من الرجوع للدولة الحديثة، ووصف المهاجرون عودتهم لموطنهم في ظل الظروف الحالية بالمخاطرة مضيفين أنها غير آمنة وأن حكومتها عاجزة حاليا عن توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها في ظل الأزمة المالية والصراعات القبلية، مضيفين أن أصدقاءهم الذين عادوا للجنوب أخبروهم عن معاناتهم ومأساتهم، مطالبين السلطات الإسرائيلية بإلغاء أمر ترحيلهم والسماح لهم بالبقاء في الدولة اليهودية في الوقت الحالي. في ذات الوقت قالت ناتالينا كيربا إحدي اللاجئات في حديثها لصحيفة (ذي جويش ويك) "إذا ذهبنا حاليا لدولة الجنوب فذلك يعني ذهابنا للموت" وتساءلت كيربا التي انخرط أبناؤها في النظام التعليمي بإسرائيل "كيف يمكن لأحدكم إرسال أطفاله لمكان يفتقر للمياه كأبسط مقومات الحياة؟". وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الأوضاع بدولة الجنوب ظلت في تراجع مستمر منذ اعلان الانفصال في يوليو من العام الماضي، مستشهدة بتقارير الأممالمتحدة التي قالت إن مئات الآلاف من العائدين والمشردين لا زالت تمتلئ بهم مخيمات اللاجئين ويستطيع شخص واحد من بين اثنين الحصول على المياه الصالحة للشرب إضافة لأن ثلث العائدين يواجهون سوء التغذية، وانتقدت الصحيفة الحكومة المركزية ووصفتها بأنها ضعيفة وغير قادرة على فرض نفسها وسط المليشيات المتناحرة، لافتة إلى أن توتر العلاقة بين دولتي السودان أدى لوقف إنتاج النفط الذي تعتمد عليه الدولة الأفقر في العالم بنسبة 98 % من ميزانيتها. التزامات أخلاقية وقالت الصحيفة إن نشطاء حقوق الإنسان وجهوا انتقادات لاذعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية، لافتين إلى ضرورة محافظة الحكومة الإسرائيلية على التزاماتها الأخلاقية نحو اللاجئين السودانيين، واتهم الكاتب والناشط إيال ميجيد وزارة الداخلية الإسرائيلية بأن سلوكها نحو اللاجئين الأفارقة مشابه للنهج الذي تعامل به الأوربيون مع اليهود، وقال ميجيد خلال مظاهرة حاشدة بتل ابيب إن هؤلاء الذين ترغب إسرائيل في طردهم تم استبعادهم من مصر وأن الدولة العبرية هي الدولة الأنسب لاحتواء اللاجئين حول العالم لا طردهم. وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تنظر للجنوبيين والإثيوبيين بعد أن عاشوا لسنوات في طي النسيان كمهاجرين من أجل العمالة وليسوا لاجئين سياسيين مستثنية من ذلك السودانيين الدارفوريين لأنها تعتبرهم ذوي وضعية خاصة. وكان متحدث وزارة الداخلية الإسرائيلية يغال بالمور قد شدد على ضرورة مغادرة الجنوبيين إلى موطنهم وقال إن بريطانيا والنرويج أتخذتا قرارات مماثلة، مضيفا أن وضع دولة الجنوب كدولة فقيرة لا يعطي مواطنيها حق اللجوء السياسي فالحالة الاقتصادية السيئة وفقا للقانون الدولي ليست مبررا للحصول على اللجوء السياسي، مشددا على أن الجنوبيين إذا كانوا يرغبون في أن يهاجروا من أجل العمالة فعليهم تقديم طلبات وسيتم النظر فيها وفقا للمؤهلات الفردية. أجندة إسرائيلية وأشارت الصحيفة إلى أن المحللين ألمحوا إلى أن إسرائيل أبدت رغبتها في مد أواصر الصداقة مع دولة الجنوب منذ أعلان الأخيرة لاستقلالها، وأضافت الصحيفة أن الإصرار على ترحيل الأفارقة يعكس القلق الذي تنامى في السنوات الأخيرة داخل إسرائيل مع ازدياد تدفق المهاجرين الأفارقة – المخاوف - التي أثارتها المجموعات الدينية المحافظة داخل إسرائيل والتي قالت إن ازدياد الوجود الأفريقي يقلل من فرص العمالة ويؤثر على سوق العمل أضف إلى ذلك إضعاف الأغلبية اليهودية بإسرائيل، ومع ارتفاع أعداد المهاجرين بدأت الحكومة الإسرائيلية في بناء حاجز متطور فضلا عن مراكز للاعتقال لردع المتسللين لإسرائيل عن طريق سيناء، وعملت السلطات على تعديل قانون يقضي بقضاء المتسلل لإسرائيل ثلاث سنوات بالسجن. من جهة أخرى قالت الصحيفة إن نشطاء من شمال مدينة تل أبيب قالوا إن الوجود الإفريقي بإسرائيل أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة بالأحياء الفقيرة من العاصمة، وأبدى الشاب الإسرائيلي قيل ليبرسون الذي يعمل مبرمجا للحاسوب قلقه من أن يؤدي ازدياد تدفق الأفارقة إلى إسرائيل إلى توترات عرقية كما هو الحال في فرنسا – على حد تعبيره – وقال "أخشى أن تصبح تل أبيب في نهاية المطاف مثل مارسيليا". من جانبها نبهت المتحدث باسم سلطة الهجرة الأسرائيلية سابين حداد إلى أن السودانيين تمتعوا لسنوات بالحصانة في إسرائيل ولكن الدولة حاليا منحت كل فرد ألف يورو وطالبته بالمغادرة وهذا العرض مدته محدودة فإذا رفضوا المغادرة فسيتم ترحيلهم بواسطة السلطات وسيفقدون هذه المنحة، وعلاوة على ذلك فقد ألغت وزارة الداخلية الإسرائيلية تصاريح العمل المؤقتة للسودانيين، وتحدث سايمون – مواطن جنوبي – باستياء وأضح بأن ضغوطا تلوح في الأفق كان أولها حرمانهم من فرصة العمل بإسرائيل، واعترض سيمون على قرار السلطات الإسرائيلية وقال "لسنا لصوصا فلماذا يعاملوننا هكذا؟". في السياق أصدرت المحكمة المركزية بالقدس أواخر الأسبوع الماضي أمرا احترازيا يمنع السلطات من طرد قرابة ألف لاجئ سوداني إلى موطنهم فيما أوصت وزارة الخارجية الإسرائيلية بتأجيل طرد اللاجئين الجنوب سودانيين لمدة نصف عام على ضوء الأوضاع الأمنية والظروف المعيشية المتردية للغاية في موطنهم.