من المؤكد تحتاج الحركة الإسلامية اليوم وكذلك الحزب الشيوعي السوداني الى مراجعات فكرية وسياسية عميقة وشاملة والى نقلة حقيقية.. فالحركة الإسلامية وهي مقبلة على مؤتمرها فى أغسطس القادم مواجهة بتحديات عظيمة خاصة وقد جاء على يديها بعد حكم دام لعقدين ونيف انفصال جزء من السودان وفشلت فى تحقيق نظام مدني ديمقراطي أو وضع اقتصادي ومعيشي أفضل أو تجاوز العزلة الدولية أو وقف نزيف الحرب بل أصبح الوطن مهددا بمزيد من الكوارث والحروب الأهلية وعدم الاستقرار والعزلة والضعف الاقتصادي. أما الحزب الشيوعي السوداني فبعد وفاة زعامات فى قامة التجاني الطيب ومحمد ابراهيم نقد وبعد تعرضه لعوامل تعرية مستمرة منذ الضربة القاسية من النميري عام 1971 ومؤخرا انهيار المعسكر الشيوعي وضربات أخرى من نظام الإنقاذ فمن المؤكد أنه فى مفترق طرق مثل الحركة الإسلامية ونسمع عن حوار وحراك داخله كذلك.. إن الصراع بين الإسلاميين والشيوعيين منذ الاستقلال ولجوئهما الى الانقلابات العسكرية (1969 و1989) سبب عدم الثقة والخوف المتبادل بينهم قد أثرا سلبا وبشكل مباشر على مسار الحركة السياسية السودانية والحكم والاستقرار وإضعاف الممارسة الديمقراطية واستدامتها بل انعكس سلبا عليهما معا، ولا عجب فى ذلك فهما اللذان سيطرا على المجتمع الحديث بدءاً بالطلاب فالنقابات والاتحادات والصحافة وباقي المجتمع المدني (السلطتان الرابعة والخامسة) وحتى الجيش فكانا أكثر تأثيرا من السطات الثلاث الأخرى أو القوى الوطنية التقليدية.. ولقد بات من المؤكد إذا لم تحدث مراجعات فكرية وسياسية لكليهما يستشرفان بها مستقبلهما الخاص ومستقبل الوطن ككل فلن أندهش إذا انفتحت أبواب من جهنم عليهما وعلى الوطن. هذه الوضعية تدعونا لأن نتوجه للإسلاميين والشيوعيين بهذا الحوار متمنيا فتح عقولهما وقلوبهما للحوار الهادف فكلاهما لا يمكن الاستغناء عنه ولعل فى قدرة الإسلاميين الاحتفاظ بالسلطة لعقود وما شاهدناه فى مأتم وجنازة المرحوم نقد يؤكد ذلك.. ولأبدأ بالإسلامين سيما وأن هناك حراك واسع فى كواليس الحركة الإسلامية استعدادا لمؤتمر أغسطس القادم حيث تشهد ساحتهم مذكرات معلنة وغير معلنة تؤكد أن ثمة حراك واسع وعميق وتغيير سيحدث. ولتنوير الذين لم يشهدوا تطور الحركة ولتذكير الآخرين أستعرض باختصار مسارها ونظريتها ومنهجها حتى اليوم، فالحركة الإسلامية السودانية بدأت بواكيرها قبيل الاستقلال برافدين الأول عام 1946 كامتداد طبيعي لحركة إخوان مصر وآخر فى كلية الخرطوم الجامعية كرد فعل للحركة الشيوعية تحت اسم حركة التحرير الإسلامي وتطورت بعد الاستقلال حتى اكتوبر 1964 مطالبة بالدستور الإسلامي مشاركة فى معركة الدستور الدائم ثم فى إسقاط نظام نوفمبر. وعقب أكتوبر تحولت الى جبهة الميثاق الإسلامي وخاضت معارك شتى من خلال الصراع مع قوى اليسار خاصة الشيوعيين فى الطلاب والنقابات ومنظمات الشباب والنساء وغيرها وتمكنت بمساعدة حزبي الأمة والاتحادي من حل الحزب الشيوعي وساهمت فى المعارضة بتحالف مع حزب الأمة جناح الصادق وسانو وليم دينق ( مؤتمر القوى الجديدة ) عقب حل الجمعية التأسيسية عام 1968 ( ثاني خرق للدستور بعد حل الحزب الشيوعي) وكسبت مقاعد فى الجمعيات التأسيسية (1965 و1968) كما ساهمت بفاعلية فى مؤتمر المائدة المستديرة فلجنة الاثني عشر فلجنة الأحزاب فمشروع دستور 1968 حتى انقلاب مايو(اليساري فى أوله) والذى أودع قادتها المعتقلات فأنقذها مؤقتا من انشقاق كبير عقب مؤتمرها الشهير فى أبريل 1969 وهو ثاني انشقاق منذ عام 1953 الذى خرج على إثره مجموعة بابكر كرار أحد مؤسسيها ( لا يعتبر الإخوان خروج الرشيد الطاهر انشقاقا بسبب أنه شارك بصفة شخصية فى انقلاب عسكري ضد نظام نوفمبر كانت ترفضه الحركة كمنهج سياسي حينها!!). الانشقاق الآخر عقب انتفاضة أبريل 1985 حيث أطل الخلاف القديم بين (المنهج التربوب والارتباط بالتنظيم الدولي للإخوان) بقيادة الصادق عبد الماجد وبين منهج الترابي (السياسي الجماهيري والاستقلالي) فظهر للوجود الجبهة القومية الإسلامية، أما الانشقاق الكبير ففي 1999 كما هو معروف بعد انقلابها وتمكنها من السلطة وهو المنهج الجديد المخالف لكل تراثها وأدبها الفكري والسياسي فانشقت لمؤتمر وطني وآخر شعبي.. نواصل فهذا أسبوع للإسلاميين والشيوعيين.