ونعني بها ارض البطانة الشرقية التي تقع في ولاية كسلا . وثم بطانة اخرى في غرب السودان هي التي يسكنها الكبابيش ومن ساكنهم من العرب . وهذا الموضوع، بعنوانه هذا ، نطرحه للنقاش . ونحن نضع في بالنا ان البجا من قدامى من سكنوا في شرق السودان . وهم قدماء في الوجود ايضاَ بوصفهم من ولد حام بن نوح عليه السلام . وفي التاريخ المدون ان اهل ارض البطانة الشرقية هذه ، قد سكن فيها اهلها الآن في فترات متفاوتة . فالفترة الزمنية التي سكن فيها البطاحين مثلا ، ليست الفترة التي سكن فيها اللحويون او الكواهلة او الدليقاب . وقد كانت قبيلة الشكريه ، سيدتها وحاكمتها ، قد حامت في مصر ثم في ارض المعادن في جبال البحر الاحمر حتى جاءت الى ارض البطانة في القرن الرابع عشر فيما يقول ماكمايكل ، ويقوله من بعده المؤرخون اللاحقون . ومن المعروف ان الشيخ عوض الكريم ابو سن قد سجل ارض البطانة لقبيلة الشكريه في نهايات القرن الثامن عشر . وتحديداً في 9 نوفمبر 1791م في عهد الملك بادي ولد دكين حسب ما تقول الوثيقة رقم 28 في وثائق سلطنة سنار في القرن الثامن عشر لصاحبيه د. محمد ابراهيم ابو سليم و د. اسبولدنق (ص 22)وهي وثيقة محفوظة الان في دار الوثائق بالخرطوم . لقد دخل الشكرية في ثماني حروب في صراعهم مع الكيانات الاخرى التي نازعتهم الارض . والبطاحين في تسع حروب . ونحن نجد الشعر الشعبي الذي قاله الشكرية والبطاحين مؤرخا لحروبهما . وقد يكون البجا قد ارخوا (شعرا او نثرا) لحروبهم . لكننا لا نستطيع ان نصل الي ما قالوا لأنه في غير اللغة العربية عامية او فصحى . ونحن نجد الان في ارض البطانة كثيرا من اسماء الاماكن تعود اصولها الي اللغة البجاوية ومنها : ريرة ، بانقوقه ، الباهوقي ، قنوب ، البانقير ، لكبيت (وهو واد) سيتيت ، ماريمبا ، شقراب ، قنوبه ، اوديد (وهو موضع) . القيقي ، ابايتور ،باسياي ، اب نديب . وغيرها . ومن الكلمات العامة المستخدمة في الشعر الشعبي هناك : ابقاقي وهو مثلث في عنق البعير . قال الشاعر الشكري : سرح الحبري لا محرد ابقاقيهو . وإدر بكسر الهمزة والدال للاسد والتمساح . قال الشاعر ابو دقينه ود قلبوس : يا ادر الكبكاب وموجو . واللفظ ارير لجمل الشيل ، وانقيب للراعي الصغير الذي يساعد الراعي الكبير (وهو من الالفاظ المشتركة بين النوبية والبجاوية) . واياتيب للبر والاحسان . قال الشاعر الحاردلو : سرو معايا افضل من اياتيب غيرو . وباشندي ، قال الحاردلو ايضا : الباشندي عمت مهششيب الدره . ومهششيب نفسها ، وهي الموضع اللين من النبات . وبعشوم . ومن ذلك بقون للصيف . قال الشاعر محمد ود حسب الله : قوم خترنا يا اب شنشون بقونك برد ، اي دخل الخريف وخرج الصيف . وبلهس وبلاهيس للبروش القديمة . ومن ذلك لفظ بوش لمجمع الحفل ، وتباس للقطعة من الزرع للسيقان حين يقطع وينشف . وترهي للفتاة الجميلة . قال الشاعر الفراش : قفلت الباب علي الترهي دخلت . ومنه لفظ حروت وحروته للون الاسود . قال الشاعر الشكري : قرنك يضل تعل اب سيال ال حرت . ومنها حمريب وخلال ودبلوب للصغيرة والصغير . قال الشاعر ود ايوب : دبلوب دابو تمنا مهي سنينو عددتن . ومن ذلك الالفاظ الشهيرة دعاش ودوف واربش لبعض الالعاب وساكلاب للآلة الحادة وسلول لقطيع الصيد وعتمور للخلاء (وهو لفظ مشترك بين النوبية والبجا) وقاييب لوتر في الربابة يشبهون به صياح السرج اذا اسرع الجمل . قال الشاعر ود اللافض : قاييب الدقاقة ال سيدا غانا وترها . وقنوب للارض الخلاء ولموضع . قال الشاعر الصادق ود آمنة : درعات القنوب بعد القلب صارحا . ومرار لنوع من وسم الابل . قال الشاعر عبد الله ود اب سن : ورحك يا اب مرار فوق هادا دوي . ونديب للرجل . قال الفراش : تقول مرناع يجدع في نديبو . وهباب اي لتوه . وهمبريب وهسال لرسن الجمل وهشوب لاول اللبن ووسار لشد السرج والعناقريب وواندوب لوتر في الربابة . قال الشاعر الشكري : تر مقادفو زي نفاية الواندوب . واياتيب للاعمال الحسنة . قال الحاردلو : حربو معايا افضل من اياتيب غيرو. جملة القول ان الفاظ البجا في شعر ارض البطانة الشرقية 158 لفظة . وفي قاموس عون الشريف قاسم 314 لفظة . وعند عرب غرب السودان من كبابيش وغيرهم 13 لفظة . ونحن واجدون هذه الالفاظ وغيرها في كتاب الطبقات وشعر المديح النبوي خاصة ديوان حاج الماحي . في مخطوطنا (البجا – التاريخ واللغة ) رصدنا الشعر الذي قيل في ارض البطانة الشرقية ، والذي مجد فرسانها خاصة من الشكرية الذين ساهموا في (اجلاء) البجا عن ارض البطانة . ومن البدهي ان لا يكون (اجلاء) الا بعد سيادة علي الارض . ونحن نجد ان الشاعر الشكري العكيكابي ادريس ود القوز قد سمي باسم ادريس ود الجللي لمساهمته في (اجلاء) البجا عن ارض البطانة . ويأتي اسم البجا في اشعار هؤلاء برسوم مختلفة مثل : البج ، البجيج ، الهدو . والاخير اشارة الي الهدندوة الذين هم قبيل من البجا . قال الشاعر العكيكابي ياسين ود الكرار الذي عاش في زمن المهدية يمدح احد فرسان الشكرية الذين ساهموا في اجلاء البجا عن الارض : ياريت الكبير كان بشترولو شباب نعمنك سخياً تدفع الخباب تخمش الكيك علي صف القنا اب حراب يهابوك البجيج لاعن جبال ايرياب ويقول رواة الشعر في ارض البطانة ان الشاعر قد قال ذلك في مديح فارس يدعى عماره محمد حمد ابو سن . ويقال انه كان له دوره في اجلاء البجا عن ارض البطانة . وكان الشاعر عوض الكريم ود العجبنا (ت 1948) وهو من الشكرية العكيكاب قد مدح الفارس محمد ود البشير النوايمي لبلائه في ابعاد البجا في ما يقول رواة الشعر . قال : قام ود البشير خبت البحر هو عوم وجمع ال رقهن بشبه لديح الدوم البج ال قبيل كل يوم تطلع قوم خلاها البشير عابده الصلا والصوم فالفارس ود البشير قطع نهر اتبرا عوما لضرورات الحرب وهو في زمن فيضانه وجمع الي جيشه من كان لونه احمر مثل ثمر الدوم (من هم ؟) وكان ان اوقف البجا الذين كانوا يرسلون اليهم محاربين كل وقت فعلهم حتي انهم تركوا الحرب وعكفوا علي صلاتهم وصيامهم . لكن لنا ملاحظ نضعها هنا : 1- الذين يقال انهم اجلوا البجا عن ارض البطانة كانوا دائما من شرقها الذين كانوا علي ضفاف نهر اتبرا . 2- يغلب علي الشعراء الذين ارخوا لذلك انهم من الشكرية العكيكاب الذين يسكنون شرق ارض البطانة علي نهر اتبرا 3- من الممكن في ارض البطانة ان يتمثل الشاعر بموقف بطولي قديم في يومه هذا . وما قال الشاعر ود العجبنا عن الفارس ود البشير يدخل في هذا الاطار . ونحن نجد الشاعر الصادق ود آمنة الذي توفي في الثمانينات من القرن الماضي يتمثل بطولة الفارس عبد الله ود القطيني التي حدثت في زمن المهدية عندما قتل قنديلاوي موفد المهدية فقال : ما شفتينا يوم خيل قندلاوي كسبنا ؟ . 4- ترك البجا وراءهم هذا الكم من مفردات لغتهم كأسماء الاماكن والمعالم الاخرى والتأثير في الثقافة المكانية لأهل ارض البطانة لهذا الحد ، لابد ان يكون وراءه شئ . ولابد من نقاشه والوصول الي قول فصل فيه . 5- ارض البطانة بحدودها الواسعة ، لم يكن لها مالك حتي نهايات القرن الثامن عشر كما مر من قبل . 6- تاريخ جماعات السودان المختلفة بعد ذهاب ممالك النوبة المسيحية الثلاث لم يكتب بعد بشكل شامل . ولابد من التفكير في امر كهذا . وادي حلفا 27 مارس 2012
