بعد الحراك الذي شهدته السساحة الثقافية في العام الفائت في مجال التشكيل ،حدث ركود شديد خلال هذا العام والذي انقضى ثلثه حتى الان وجفت الصفحات الفنية من اخبار المعارض حتى في الصالات التي اشتهرت بذلك ،واذكر حديث الاستاذ عبد الرحمن نور الدين رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السودانيين في اواخر العام الماضي حيث قال ان العام الحالي سوف يشهد حركة تشكيلية دؤوبة مضيفا أن أكبر تحدٍ أمام الاتحاد حالياً، هو إجازة قانون المهن التشكيلية الذي تم تسليمه إلى وزير الثقافة منذ عام ونصف العام، مؤكداً أن هذه المجموعة ظلت بدون حقوق طوال( 60 ) عاماً ماضية.لكن على الرغم من إهمال هذه الشريحة من قبل الحكومات المتعاقبة، إلا أنها ظلت تقدم خدمات كبيرة للمجتمع، وتعتبر حالياً من أنشط الفئات بالدولة داخليا وخارجيا. ولعل جائزة نوما العالمية باليابان، هى المحفل الذى سجل فيه الفنانون التشكيليون السودانيون وجودهم بأحرف من نور، حيث فاز بها العديد من مبدعي بلادهم، من بينهم الفنان سيف اللعوتة. وظل التشكيليون السودانيون يجدون التقدير فى كل انحاء الدنيا، ولا يخفى عليكم الاحتفاء الذى وجده الفنان الراحل عثمان وقيع الله في لندن، والتقدير الذي حصده الراحل احمد الطيب زين العابدين، وشبرين، والصلحي وحسين جمعان وغيرهم من الافذاذ فى هذا المجال. هذا التميز على المستوى العالمي يقابله جحود او قل عدم اهتمام على المستوى المحلي في بلادنا، فلا يزال الكثيرون ينظرون للفنان التشكيلي من زاوية (شخبط شخابيط) وآخرون يرون ان الفنان التشكيلي شخص خارج شبكة المجتمع وأقرب الى المجانين. ومشكلة الفن التشكيلي فى بلادنا لها اكثر من شق، ولكنها تنبع فى المقام الاول من شقين، الاول عدم اهتمام الدولة بالفن التشكيلي وبالفنانين والشق الثاني هو عدم قدرة اغلب المواطنين على تذوق العمل التشكيلي والطامة الكبرى هى ادعاء البعض بالمعرفة فى هذا المجال وهم اكبر الجاهلين! بالنسبة للشق الاول، فان خريج كلية الفنون الجميلة والتطبيقية يبدأ رحلة الضياع منذ تخرجه، حيث لا يوجد هيكل وظيفي محدد يستوعب هؤلاء الخريجين مثل بقية خلق الله، فخريج الطب يعلم انه سوف يشتغل طبيبا وخريج الهندسة يعرف وظيفته جديا وكذلك خريجو القانون والاقتصاد والإعلام وغير ذلك من التخصصات، لكن خريج كلية الفنون عليه ان يبحث عن وظيفته بنفسه! الشق الثاني له علاقة وثيقة بالشق الاول، ذلك ان ضعف تذوق الناس للفن ناتج عن عدم وجود حصص للفنون فى الجدول المدرسي، اضافة لغياب البرامج المتخصصة فى الفن التشكيلي عبر التلفزيون، والنتيجة هى الأمية البصرية والفشل التام لقراءة وتذوق اللوحات من قبل الجمهور. وفى كل بلاد الدنيا لا ينفصل التشكيل عن حياة الناس بدءا بالمعمار الذى يختار له التشكيليون ويرتبط ذلك بتخطيط المدن، وصناعة الاثاث والطباعة والزخارف والمفروشات والادوات المنزلية، وباختصار كل شئ نحتاجه يرتبط بالتشكيل. ولإخراج الفنانين التشكيليين من هذه العزلة، لا بد من تضافرجهود عديدة، لكن العبء الاكبر يقع على التشكيليين انفسهم، وقد فعل بعضهم ذلك وحازوا الجوائز وفرضوا انفسهم محليا وعالميا.