في صباح السبت المشرق 31 مارس 2012م دعيت إلى حضور تدشين كتاب "الصحافة النسائية في السودان"، تأليف الإعلامية الكبيرة الأستاذة الدكتورة بخيتة أمين، وهي زوجة الدكتور دقش الصحفي اللامع، وهي واقفة خلف هذا الرجل العظيم، وهو واقف خلفها دعماً ومساندة، وكما قال بعض الحاضرين، لو كان رجلاً كثير الكلام "والنقنقة" لأوّقف تقدم هذه المرأة، ولكنه يعد بطلاً من أبطال إنتصارات بخيتة، وكان هذا التدشين في أم درمان موقع كل تقدم وحضارة، وفي كلية أم درمان لتكنولوجيا الصحافة والطباعة والتصميم، وهذه الكلية انشأتها بخيتة لتخليد أم درمان إسماً ومعني، وأريد أن أقف قليلاً أمام إسم بخيتة، وهذا يعني في لغة الكنيسة الطوباوية أي سعيدة الحظ من واقع تطويبات السيد المسيح في العظة علي الجبل والتي بدأها قائلا: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ(متي3:5) وأستمر في ستة تطويبات أخري لتكتمل بالتطويبة السابعة: طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. (متي10:5)، وأعتقد أن أهل الصحافة هم من بين المطرودين من أجل البر، وهم يعملون خيراً للمجتمع، ويكتبون ضد الفساد وأكل الحقوق، وهذا هو البر بعينه، ولأن بخيتة من قبيلة الصحافة، فإنها مقصودة مع زملائها وزميلاتها وزوجها المحترم بهذا التطويب الجميل، وعند الكنيسة الكاثوليكية قديسة قد تم الإعتراف بها هي القديسة الطوباوية بخيتة، وهي قديسة سودانية، وفي اللغة القبطية يأتي إسم مقار، مكاريوس، مقارة مشتقات لمعنى الطوباوي، وفي ممالك النوبة المسيحية إشتهر إسم مكي وهو إختصار لمكاريوس أو ميكي. وهكذا يدعي البروفسور المحترم حسن مكي سعيد الحظ. ونحن به جد سعداء. أما المنصة التي كانت أمامنا فقد تألق فيها بروفسور علي شمو بصوته الإذاعي، وبألق رسالته الإعلامية، وحضوره الذهني الدائم، وقد قال عنه جورج مشرقي: إن صوته أكبر من حجمه، ثم على المنصة وزير الثقافة والذي بعده توقفت وزارة الثقافة في عدة وزارات ثم عادت ثانية وهو الأستاذ الأديب المثقف الحكيم الشاعر عبد الباسط عبد الماجد، وأكمل ثالوث المنصة الأستاذة آمال عباس، الصحفية التي ينطبق عليها المثل: الديك الفصيح من البيضة يصيح، فقد بدأت تكتب عبر صحف الحائط ثم دخلت أعماقاً عديدة وصلت إلي العمق العاشر، والرأي الآخر، ومن صدى أنطلقت إلى مرافئ النجوم. ثالوث المنصة: وتحدث الثالوث الصحفي شمو عبد الباسط وآمال عن الكتاب بعد أن قدمته صاحبته الدكتورة بخيتة أمين، وبعد هذا جاءت التعقيبات من قامات صحفية كبيرة في بلاط صاحبة الجلالة، ولقد أدليت بدلوي مع أنني أستلمت الكتاب في وقت التعليقات والحمد لله تفرجت علي الصور، وأفتقدت صورة مجلة نون، ونون طبعاً هي نون النسوة، ولكن قرأت عنها في ما بعد في ثنايا الكتاب، وطلبت أن يتوجه المجتمع بالشكر للرجال الذين كان لهم الفضل في إخراج المرأة من سجن الماضي المظلم الذي كان يرفض لها ليس فقط أن تكون صحفية إنما أن تتعلم حتى ولو حروف الهجاء، وأخذت الحاضرين إلى أحد الرجال العظماء الذي نادي بتحرير المرأة السودانية، في مجلة المنارة التي صدر العدد الأول منها في يوم الأربعاء أول توت 1629 للشهداء قبطية، 11 سبتمبر 1912م أفرنكية، كما كتبت المجلة والرجل الذي أصدر المجلة هو القمص مرقس سرجيوس، وقد كان القمص يري أن هناك عادات سمجة وتقاليد عتيقة طال عليها المطال، ولكنها لم تزل سائرة لأن لها من النسوة العجائز أكبر نصير، وقد نادى الأب بتحرير المرأة من هذه العادات البالية، ومن الطريف أن هذا القمص لم يستمر طويلاً في السودان، وقد كان كاهناً لكنيسة السيدة العذراء عروس الكنائس السامقة على شاطئ نهر النيل، فلقد نشأت مشكلة بينه وبين الحاكم العام، الذي أمر بمغادرة الأب للسودان خلال 24 ساعة، وقد غادر ولكن وقع الحاكم في شر أعماله لأنه أرسل إليهم ثائراً قوياً أشعل ثورة 1919م في مصر وكان يخطب في المحافل العامة، وقيل عنه أنه في باب الحديد كان يخاطب الناس ليعملوا معاًَ ضد الإستعمار الإنجليزي وسأل الحاضرين لماذا وجه الإنجليزي أحمر وشديد الحمرة وسمع إجابات عديدة، ولكن كانت له هو إجابة تقول: أن هذه الحمرة الشديدة بسبب إمتصاص الدم لثروات المواطن المصري والسوداني. وأريد أن أقول هنا أن هذا المجلد لمجلة المنارة قد تبرعت به إلى دار الوثائق السودانية في الرابع من مايو 2007م وهذا يوم عيد ميلادي، وأريد أن أدعي قريباً إلى رسالة دكتوراه تناقش مجلة المنارة وما كتبت وكيف كانت الصحافة في السودان أيام زمان، وأرجو أن تستفيد بهذا أحد بنات كلية أم درمان لتكنولوجيا الصحافة والطباعة والتصميم. والحق يقال أن كتاب دكتورة بخيتة أمين كتاب قيم جداً، ويرضى عنه رجال الصحافة والبحث لما ورد فيه من معلومات ثرة، وترضى عنه النساء لأنه يعبر عن طموح المرأة السودانية، وأرجو في الطبعة الثانية لهذا الكتاب أن تذكر أستاذتنا ريادة الأقباط في تعليم البنات، وتأسيس الكلية القبطية بنات، كما تذكر الراهبة فلة جرجس التي كانت تلبس ثياباًَ بيضاء تذهب إلى المنازل لتعليم المرأة السودانية، مسلمة أو مسيحية، وكانت تعطي هذا التعليم مجاناً ولهذا سميت جامعة القاهرة فرع الخرطوم جامعة فلة، لأنها كانت تقدم التعليم الجامعي مجاناً وقد تشرفت أن أكون أحد خريجيها عام 1969م عندما نلت ليسانس الآداب قسم الإجتماع وكنت أول الدفعة، وبعدها درست السنة التمهيدية للماجستير سنة 1970م وكان عدد من جلس الإمتحان أربعين شخصاً لم ينحج منهم أحد سوى الأب القمص فيلوثاوس فرج. وتستحق الدكتورة بخيتة أمين أن أقدم لها بكل إحترام لقب بنت الوادي، وهو إسم أول جريدة نسائية أصدرتها تقوى سركسيان السودانية الأرمنية عام 1946م، وهذا يدعونا للحديث مرات أخرى عن تعايش السودانيين الأرمن ومحبتهم للسودان، وكنيستهم الجميلة الباقية لهم في قداستها وأناقتها. وعن الرجل العظيم الأرمني مركسيان رجل الأعمال الكبير الذي أوصى أن يدفن في السودان وأن يصلى عليه في كنيسة العذراء بالخرطوم.