* بالرغم من النفخة الكاذبة، والادعاء السافر، لما يسمى بقطاع الشمال للحركة الشعبية، والمحاولات المستمرة للمتمردين من هذا القطاع، أو كما يسمونه، لإحداث الاضطراب، وزعزعة الأمن ،وتهديد المواطنين بمناطق مختلفة بجنوب كردفان، لكني على قناعة بأن الجيش السوداني بإسناد من قبل قوات الدفاع الشعبي، يستطيع فى لحظات أن يجتاح الجنوب، ويعيد الحركة الشعبية بقطاعاتها جميعاً جنوبية كانت أو شمالية إلى مربعها الأول، فتجد نفسها فى مربعات ضيقة، وأركانٍ قصية، بمثل الذى كانت عليه قبل توقيع اتفاقية السلام. * ونحن نعلم أن الذى يجري فى جنوب السودان، لا يشبه الدولة ولا علاقة له بالتقاليد المعروفة لسلوك الحكام، ومن يعلمون كيف تصان حرمات المجتمعات، أو يُحافظ على سيادة الدول. * ولقد شاهدت منظراً غريباً، نُقل بأحد المواقع بشبكة الانترنت، لرئيس دولة الجنوب وهو يخاطب حشداً جماهيرياً لأناس تظهر على سيماء وجوهم علامات الإحباط، وإشارات الشعور بالحزن، قائلاً لهم بأن الجنوب قد أصبح دولة ذات سيادة، وأن الشمال ينوي غزوه، وأنهم سيطالبون الأصدقاء بحمايتهم من ذلك الغزو، فكان مبعث دهشتي، واستغرابي، بأن كيف يفتخر قائدٌ بسيادة يتمتع بها، وهو لا يستطيع حماية نفسه وشعبه، وكان يكفيه أن يحس بالخجل استحياء من هؤلاء الذين يخاطبهم بأنه عاجزٌ عن توفير الحماية، وليس بمقدوره رد هجومٍ ،أو مقابلة خصمٍ. * ولنا أن نتخيل بأن حكومة دولة جنوب السودان، قد أصبحت بين يومٍ وليلة، تتربع على رأس شعب، وهى غير قادرة على توفير أدنى عناصر الحياة له، لكنها تطالب ما يسمى المجتمع الدولي، بالحماية والرعاية والإغاثات، ثم تقدم على إيقاف المورد الوحيد، والشريان الرئيسي وهو النفط الذى يعتبر دون غيره الضامن لبقاء حياة، والمنعش لأملٍ كان يمثل عنصراً وحيداً بموجبه عوَّل أهل الجنوب على خيار الانفصال. * والحريات الأربعة التى هللوا لها، واستبشروا بها خيراً، لم تكن مطلباً، لكنها كانت حقاً عندما كان سلفاكير يسكن فى حي المطار، وقادة الحركة الشعبية ينالون الامتيازات، وقبائل الجنوب تنتشر فى كل بقاع السودان، وهو الأمر الذى يقذف بالحيرة عندما حدث الانفصال، إذ لا يعقل أن تترك شيئاً وأنت الذى كرهته، ثم تعود لتطالب به ولم يجبرك أحد على ذلك سواء أنك لا تعلم ما يضرك وما ينفعك. * ومع أن بديهيات الأمور، وقواعد العلوم، تنصُّ على أن الجاهل عدو لنفسه، لكننا نقف حيارى أمام إدعاءات الحركة الشعبية وتهديداتها، بأنها ستستعين بأصدقائها لقتل من رضي بانفصال دولتها. * وإزاء هذا الزعم، تذكرت قول الشاعر بأن زعم الفرزدق بأنه سيقتل مربعاً، ولا غبار في ذلك، ولكنَّ الغبار الكثيف الذى يلف الأفق بأن الذى يزعمه الفرزدق ليس زعماً يخصه، وإنما هو زعم مضاف إلى صديقه، وهو ذات الصديق الذى يحاول إدخال أصبعه فى جنوب كردفان والنيل الأزرق بالترويج لاتهامات كاذبة تدمغ حكومة السودان بأنها تقصف المدنيين بالطائرات. * وعلى حكومة الجنوب أن تدرك بأننا لا نخشى من الفرزدق، ولا من أصدقائه، وعلى الفرزدق أن يكون قدر المسئولية للدفاع عن نفسه وحماية شعبه، ومتى كان الأصدقاء أولى بالدفاع عندما لا يكون المرء قادراً على حماية نفسه.