الحروب الأهلية وأهوالها، اوما يبقى منها في الذاكرة والنفس والوجدان – نتحدث عن دموع تكلست وبشر انكفأوا الى الابد وهم يتوسدون جراحا لن تندمل – ومع ذلك تجدهم يكافحون ويناضلون منطلقين من محطة الجرح الى المحطة التي سيصادفون فيها العزاء والسلوى وما يعينهم على استمرار الحياة. فيلمان عن الحروب الاهلية عرضا في مهرجان الجزيرة للافلام التسجيلية يذكران بكل حرب من هذه الشاكلة لا يهم ما اذا كانت وضعت اوزارها ام لا تزال مستمرة، فلحظة اندلاع أي حرب اهلية هي لحظة سقوط كامل لقيم الانسانية والاخوة والعيش المشترك، واي خدش يلحق بهذه القيم تحتاج معالجته عقودا وربما قرونا من الزمان. الفيلم الاول "فسحة امل" يحكي قصة مجموعة من النساء الكنغوليات مع الحرب الاهلية. القاسم المشترك بينهن تعرضهن جميعا للاغتصاب على يد جنود في شرقي البلاد حيث دارت رحى الحرب. نفوس كسيرة بحثت عن الانصاف في كل مكان فلم تجده، وانعدمت الخيارات في وجهها او كادت فقط الاختيار بين الانتحار او المواجهة. هنا تظهر ماسيكا وهي ام لفتاتين اغتصبن ثلاثتهن امام الزوج والاب وهو رجل اعمال ميسور – تغيرت حياة العائلة – هربت ماسيكا الى حقل وعر التضاريس تملكه وفي معيتها عدد من ضحايا الاغتصاب. بدان في تشييد ما يمكن اعتبارها تعاونية زراعية - الكل يزرع من اجل اطعام الكل – ثمة اطفال هم ثمرة عمليات الاغتصاب المجنونة يلعبون ويساعدون في الزراعة ويغشون المدارس، بعضهم يذكر الامهات بمأساة الاغتصاب. مشاعر متناقضة يظهرها الفيلم ،ام تكره ابنها اليوم لانه يذكرها بواقعة الاغتصاب وتحبه غدا عندما تحس ببراءته وهكذا. تكبر التعاونية وتطرق الشهرة والتمويل باب ماسيكا التي نذرت نفسها للعمل على مناهضة الاغتصاب ومساعدة النساء في اوقات الحروب. الفيلم الثاني "نساء يرفضن الموت" يستلهم الواقع اليوم في مدينة سربرينستا البوسنية بعد المجزرة التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين وراح ضحيتها اكثر من ثمانية الاف شخص عثر على رفاة نحو ستة الاف منهم عام 1995. تخوض مجموعة من النساء حربا جديدة على طريقتهن الخاصة للابقاء على المذبحة في ذاكرة العالم والاجيال الناشئة. قالت امراة فقدت ولديها وزوجها ما اصعب ان تعيش على الذكريات فقط – واتجهت اخرى للتعمق في ثقافة المجتع البوسني المسلم للتعرف على قوة الجذور التي تشده الى الارض التي حاول الصرب طردهم منها ، وهذه السيدة بالذات كانت الأعلى صوتا والاكثر صرامة في سرد وقائع ما بعد المذبحة والمستقبل الذي ينتظر مسلمي البوسنة. ويظهر الفيلم مديرة مدرسة سابقة نجت من المذبحة باعجوبة اختارت السيدة العمل على الخصوصية الثقافية لمسلمي البوسنة وابرازها من خلال انشاء جمعية للنساء الارامل يعملن في انتاج المشغولات اليدوية التي تعودت المرأة البوسنية على انتاجها في حياتها اليومية، وعرضها للبيع في مراكز خاصة يغشاها السياح، ليتعرفوا على التراث البوسني وعمقه التاريخي. عرفنا الحرب الاهلية في السودان بل هناك من يتحدث عن عدة حروب حتى وان اعتبرها البعض مجرد حالات تمرد – هناك شهادات وافادات وجراح لم يسلط عليها الضوء بعد ربما سبب ضعف صناعة السينما السودانية – لكن يكفي ان كل ماساة وكل حرب في هذا العالم تعني الشعوب كافة.