** يوم الخميس الفائت، كتبت الوطن ما يلي نصاً: قضية المستشار مدحت عبدالقادر أوشكت على أن تأخذ طابعاً جنائياً، وتفيد المعلومات أن المحقق توصل إلى ستة اتهامات أساسية من الممكن أن تشكل قضية كاملة الأركان، تتضمن استغلال الموقع، وممارسة أنشطة واستثمارات محظورة على الموظف العام وخلافها، وحوى تقرير المحقق مفاجأة جديدة تشير إلى أن المستشار - أبان توليه لموقع مدير الأراضي - قد صدّق بقطعة استثمارية وأن أصحاب العقار «أهدوه» فيلا بالمجمع السكني المميز في منطقة راقية ومعروفة، مما أثار حفيظة وزير التخطيط الأسبق، المهندس عبدالوهاب عثمان الذي طالب وزارة العدل بإبعاده وتعيين مدير آخر، هذا ومن المفترض أن يكون وزير الدولة بالعدل قد استلم تقرير القضية..!! ** نعم هذا ما يحدث في هذه القضية، بدليل أن وزارة العدل لم تنف الحدث ولم تفتح بلاغاً ضد الوطن.. ولن تفتح، إذ تفاصيل هذه القضية معلومة لكل الصحفيين، بمن فيهم المتدربين، وكذلك معلوم أن دور هذا المستشار فيها كما دور أي ترس في أية ساقية، أي (فرد من رهط).. ولكن مراكز القوى تظن بالناس جهلاً، ولذلك تتلكأ في الحسم بتحويل الملف من محقق إلى محقق آخر، وكأن المراد من كل هذا التلكؤ هو تراكم التقارير في دهاليز وزارة العدل، وليس تحقيق العدالة.. هناك تقرير المستشار محمد فريد، وهناك تقرير اللجنة القضائية، وهذا تقرير ثالث تم رفعه لوزارة العدل قبل أسبوع ونيف، ومع ذلك لا يزال الصمت هو سيد الموقف، وكأن هذا الصمت هو الذي يجب أن يكون العدل بين الناس، وليس الإفصاح بالحق (بياناً بالعمل، وبمنتهى المساواة بين الولاة والرعية).. نعم لو كانت أطراف هذه القضية ضعفاء من عامة الناس التي هتفت للقوات المسلحة يوم انتصارها على قوات دولة الجنوب بهجليج، لاقتادتهم يد العدالة - تحت سمع وبصر الناس والصحف - من أمام القيادة العامة الى حيث سوح النيابات والمحاكم، ولكن أطرافها من النافذين في مفاصل السلطة، ولذلك يحدث ما يحدث (تحقيق تلو تحقيق وتقرير تلو تقرير).. إلى أن تلتحق القضية بركب (خلوها مستورة)!!. ** وما يحدث منذ الخميس الفائت، في قضية أخرى، لا يختلف عن هذا كثيراً.. إذ في فبراير 2012، شكل وزير الصحة بولاية الخرطوم لجنة تحقيق - برئاسة الدكتور محمد عبدالرازق - لتحقق في استثمارات وإنشاءات مستشفى الخرطوم، وكشفت اللجنة من أوجه الفساد والمفسدين ما لم تخطر على قلب بشر، ورفعت تقريرها لوزير الصحة (صرة في خيط)، وبكل وثائقها وأقوال شهودها.. تحقيق العدالة يقتضي تحويل التقرير إلى نيابة الأموال العامة مباشرة بلا أي لف أو دوران، ولكن هذا لم يحدث.. لقد قرأ الوزير مأمون حميدة تفاصيل التقرير وعلم بشخوصها، ومن فيهم من النافذين، فسارع بتشكيل لجنة تحقيق أخرى لتحقق في ذات القضية، أي وكأن لجنة دكتور عبدالرازق حققت في قضية (ووتر غيت)، وليست في تلك القضية.. تلك محاولة مكشوفة لكسر أعناق حقائق تقرير لجنة التحقيق..!! ** فالتقرير كان صادماً للوزارة، وأخرج الناطق الرسمي باسمها عن المألوف، بحيث يستفز رئيس لجنة التحقيق ويطالبه بتقديم استقالته - مع التأكيد على قبولها - إن لم يرقه أمر تشكيل لجنة التحقيق الثانية.. تأملوا تحقيق العدالة ومن الذي يجب عليه تقديم الاستقالة.. رئيس لجنة التحقيق الذي كشف تجاوزات استثمارات وإنشاءات مستشفى الخرطوم، أم المتجاوزون الذين تجلت تجاوزاتهم في العطاءات والعقود؟.. لقد ظلم التاريخ "قراقوش" حين وثقه ظلمه قائلاً: لم يتناسب طول حبل المقصلة مع قامة مدان في جريمة ما، فبرأ "قراقوش" المدان وأمر بشنق أحد الحاضرين من ذوي القامة المناسبة لطول الحبل.. لو كان التاريخ حصيفاً لانتظر هذا العهد الذي تهدد فيه وزارة الصحة رئيس لجنة التحقيق بقبول استقالته، لأن في تقرير التحقيق من هم جديرون بالتمادي في ارتكاب التجاوزات.. ولو كانوا من ضعفاء العامة التي هتفت للقوات المسلحة في تلك الجمعة لوجدوا من العقاب ضعفاً أو يزيد، ولكنهم من النافذين، ولذلك وجب تشكيل لجنة تحقيق أخرى، وربما ثالثة في المستقبل، كما حال وزارة العدل في تلك القضية ذاك المستشار.. ولك الله يا شعباً أمواله بين مطرقة الاعتداء الأجنبي وسندان الاعتداء الوطني..!!