حفظت في أدبياتي التي أرغبها إتجاها واضحا نحو الملائكة، وتجنبا واضحا للأبالسة والشياطين، وقد أخذت مني أطروحة الدكتوراه وقتاً طويلاً كنت أتمتع فيه بدراسة الملائكة، وحددت بحثي بتعريف إجرائي هو أن البحث يختص بالملائكة الأخيار، أما الملائكة الأشرار فهذا ليس موضوع بحثي، وجاءت رسالة الدكتواره تحت عنوان الملائكة الأخيار في المسيحية والإسلام، وعندما كان بحث الملائكة يدخلنا في بعض الأحايين إلي إبليس، كنت أقول: أن إبليس ليس في دائرة البحث، وأذكر أن موضوع الملائكة قد أخذ إهتمامي سابقاً وكتبت عدة مقالات، بدأت تكثر وتزداد، حتي وصلت إلي سبعين مقالاً عن الملائكة، وتوجهت بها إلي البروفسور يوسف الخليفة ليكتب لي مقدمة للكتاب، وكان بروفسور يوسف يقول ليَّ لقد جلست سعيداً مع الملائكة في بحثك عن الملائكة، وكانت زوجته المحترمة تقول إن خليفة يحب الجلوس إلي كتابك عن الملائكة، وقد أرشدته الملائكة إلى مقدمة بليغة واضحة قوية، بل إلى فتوى ترى أن الكتاب يمكن أن يقرأه المسلم فيتمتع به، وما جاء فيه مطابقاً للقرآن الكريم أو غير مذكور في آيات الذكر، فهو لا يتعارض مع القرآن الكريم. وذات مرة وعندما كنت أكتب في أخبار اليوم الغرّاء "دعوة محبة" فوجئت بعنوان في عمودي يقول أبالسة الظلام، وأندهشت لذلك لأنني لم أكتب عن الأبالسة، ولا رغبة عندي لذلك، بالتدقيق عرفت أن هذا عمود العالم العظيم الشيخ طنون، وقد جاء ضيفاً إلى عمودي، وذهب موضوعي إلي عموده، وكتبت عن هذا، وكتب هو أيضاً مقالاً بليغاً يشجعني فيه أن أكتب حتى عن إبليس. وفي هذه المرة وأنا أبحث عن نقط التلاقي ومحطات الإخاء بين المسيحية والإسلام رأيت أن أكتب عن الشيطان بين المسيحية والإسلام، وتقول التعاريف أن إبليس إسم علم عجمي، وقال أبو عبيدة أنه عربي مشتق من الأبلاس وهو الإبعاد عن الخير أو اليأس من رحمة الله، أما شيطان فهي من شطن، بمعني إنحرف، وللشيطان أو إبليس وكلاهما معناهما واحداً عدة ألقاب فهو يسمى أبدون أو أبوليون بمعنى المهلك، ويطلق عليه المشتكي على الإخوة، والخصم، وبعلزبول، وبليعال، والمضل لكل العالم، والتنين العظيم، والحية الملساء التي أغوت آدم وحواء، والعدو، والشرير، وأبو الكذاب، وإله هذا الدهر، ورئيس سلطان الهواء، والقتَّال، ورئيس هذا العالم، والحية القديمة، والمجرَّب بالشرور، وأصل الأرواح الشريرة. وقد ذكرت كلمة شيطان في العهد القديم37 مرة، وإستخدمها السيد المسيح أكثر من مرة، وذكرت كلمة إبليس 34 مرة، وفي دائرة المعارف أن معني إبليس المفتري، أو الثالب، ولا يوجد أي فرق بين لفظ إبليس والشيطان، وكلمة الشياطين بالجمع تعني الأرواح الشريرة. وقد ذكر القرآن الكريم إسم إبليس عدة مرات كما ذكر تحت إسم الشيطان مرات كثيرة أكثر من تعبير إبليس، وقد أحصيتها في ما يقرب إلي تسعين مرة، والشيطان مكروه في المسيحية والإسلام، وعندما ينال المولود الجديد نعمة المعمودية، يقوم الإشبين أو الوصي بجحد الشيطان ويقول نيابة عن الصغير أجحدك أيها الشيطان وكل أعمالك النجسة وكل جنودك الشريرة، وكل بقية نفاقك، ثم يعلن أجحدك ثلاث مرات، ويرشم المسيحي الصليب ليبعد الشيطان عنه، والمسلم في الحج المشّرف يطوف حول الكعبة المشرفة، ويلقي الجمرات لعنة علي الشيطان الذي هو الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس. ويتفق القرآن الكريم مع الإنجيل المقدس في أن خطية الشيطان هي عدم طاعة الله والكبرياء الضالة، ولكن تختلف التفاصيل، في الكتاب المقدس، حديث عن كبرياء الشيطان يأتي في سفر حزقيال: وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: "يَا ابْنَ آدَمَ, ارْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى مَلِكِ صُورَ وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ, مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ. كُنْتَ فِي عَدْنٍ جَنَّةِ الله. كُلُّ حَجَرٍ كَرِيمٍ سِتَارَتُكَ, عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ وَزَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَبَهْرَمَانُ وَزُمُرُّدٌ وَذَهَبٌ. أَنْشَأُوا فِيكَ صَنْعَةَ صِيغَةِ الفُصُوصِ وَتَرْصِيعِهَا يَوْمَ خُلِقْتَ. أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ. وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ. أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ. بِكَثْرَةِ تِجَارَتِكَ مَلأُوا جَوْفَكَ ظُلْماً فَأَخْطَأْتَ. فَأَطْرَحُكَ مِنْ جَبَلِ الله وَأُبِيدُكَ أَيُّهَا الْكَرُوبُ الْمُظَلِّلُ مِنْ بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ. قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَ. أَفْسَدْتَ حِكْمَتَكَ لأَجْلِ بَهَائِكَ. سَأَطْرَحُكَ إِلَى الأَرْضِ وَأَجْعَلُكَ أَمَامَ الْمُلُوكِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْكَ. قَدْ نَجَّسْتَ مَقَادِسَكَ بِكَثْرَةِ آثَامِكَ بِظُلْمِ تِجَارَتِكَ, فَأُخْرِجُ نَاراً مِنْ وَسَطِكَ فَتَأْكُلُكَ, وَأُصَيِّرُكَ رَمَاداً عَلَى الأَرْضِ أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ يَرَاكَ. فَيَتَحَيَّرُ مِنْكَ جَمِيعُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَتَكُونُ أَهْوَالاً وَلاَ تُوجَدُ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ".(حزقيال28: 11-19)، وأيضاً في أشعياء النبي: كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ.(أشعياء14: 12-14)، ويتحدث الكتاب المقدس عن الصلة الوثيقة بين الشيطان وحكومات العالم المنحرفة، وهكذا يطالب بولس الرسول كل مؤمن أن يتسّلح ضد الشيطان: أَخِيراً يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اَللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا \لدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اَللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. (أفسس6: 10-13). ويتفق القرآن الكريم في أن خطية الشيطان هي الكبرياء علي الله وعلي الإنسان، وعندما قال الله للملائكة أنه سوف يجعل في الأرض خليفة، إعترض إبليس متكبراً بأنه مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين، ورفض الشيطان في كبريائه أن يكرم آدم بالسجود له، فحكم الله على الشيطان بالطرد من الجنة وأعلن الشيطان أنه سوف يعمل حتى يوم القيامة ضد الإنسان ويغويه في الشر وينحرف به عن الصراط المستقيم، وجاء في سورة الإسراء: (َإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً* قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً* قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً* وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)الأسراء الآيات61-65. وجاء في سورة الأعراف: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ* قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف الآيات13-18. وتحتاج سورة الأعراف إلي تفسير الكلمات، فكلمة مَذْؤُوماً تعني محقوراً محتقراً مهاناً، والدحر يعني الطرد والإبعاد، وَلأَحْتَنِكَنَّ تعني أقودهم إلي المعاصي، وَاسْتَفْزِزْ تعني الإستفزاز والخديعة، وَبِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ تعني كل راكب خيل وكل راجل علي رجليه، وأستخفه تعني أستخف به وأزله عن الصواب. إليس موضوع سقوط الشيطان في الكتاب المقدس والقرآن الكريم محطة تلاقي بين الديانتين؟.