المشهد المعني لرجلين أحدهما يبدو أنه من أطراف الخرطوم ومن أعرابه وذو لون يميل للسمرة أو السواد وذو لحية سياسية ومن بائعي الخضروات والفواكه الآخر نوبي من شمال السودان ويبدو أنه من قبيلة الدناقلة، يميل لونه للبياض أكثر ومشلخ شلوخ مطارق، سأل الدنقلاوي زميله بائع الخضروات والفواكه بزنك الخضار بالخرطوم بحري عن سعر كيلو الموز، رد عليه الخضرجي بأن الكيلو باثنين جنيه، قال الدنقلاوي واليوم أصبح بجنيه نسبة لورود كميات كبيرة من الخضر والفواكه للاسواق وأنت تقول كيلو الموز اثنين جنيه؟ وأضاف بان فاكهة الموز هي أقل الفواكه قيمة غذائية. قال الخضرجي لماذا لا يكون كيلو الموز بالفين جنيه إذا كانت دستة البرتقال بنحو عشرين جنيهاً، قال له الدنقلاوي أن دستة البرتقال ليست بعشرين جنيهاً في السوق، وحتي إذا كان الامر كذلك فان القيمة الغذائية للبرتقال تبرر الفارق السعري بين القائمتين قال الخضرجي من أين عرفت الفرق الغذائي بين البرتقال والموز؟ قال له الدنقلاوي أنا زراعي وأعرف هذه الحقائق العلمية استنكر عليه السيد الخضرجي وقال له كلامك كلام فارغ وأنتو ناس دعاية ساكت. على كل فقد احتد الكلام بينهما فقال الخضرجي انت بشلوخك دي عربي ولا سوداني رد عليه الدنقلاوي بعنف وقال له أنا سوداني أصيل ولست من الأعراب الذي قال الله فيهم ان الاعراب اشد كفراً ونفاقاً واضاف انا بشلوخي أقرب للذين تحاول عبثاً الانتساب إليهم، فانا أقرب منك إليهم على الأقل لساناً ولوناً أما أنت فربما تنتسب إليهم باللسان فقط، اضاف الدنقلاوي إذاً انت من الاعراب فأذهب إليهم في بلادهم واترك لنا سوداننا فنحن أصلاً من العرب المستعربة أجدادنا من العرب الذين أتوا إلى السودان دعاة لدين الله وأمهاتنا من النوبيات فنحن شعب هجين، فانتماءنا للعالم العربي هو إنتماء ثقافة ودين وعنصر مشترك ولسان، ونؤمن بان السودانيين هم شعب هجين إلا من أدعي غير ذلك كما هو حال ذلك الاعرابي من أطراف الخرطوم الذي أمتهن مهنة تجارة الخضروات والفواكه بسوق بحري. بلغ الشد والجذب بين الاثنين مبلغاً بحيث تدخل البعض من زملاء الخضرجي لفك الاشتباك وفرضوا على الدنقلاوي مبارحة المكان، قال الدنقلاوي وهو يبارح موقع الاشتباك اللفظي مع السيد الخضرجي ان ناس السوداني بما اوردوه من معلومات عن اسعار الخضر والفواكه تسببوا في ايقاع الدنقلاوي في مشكلة مع الاخوة بائعي الخضر والفواكه بسوق بحري قائلاً لبقية الاخوة الخضرجية لم أقصد إلا تنويركم بما يأتينا من معلومات الصحف السودانية وربما الغد يشهد انخفاضاً كبيراً في أسعار الخضر والفواكه في الخرطوم بحري ليحتاط الاخوة الخضرجية في الخرطوم بحري لذلك. ذاك مشهد قبيح شاهدته على الطبيعة بسوق بحري وربما الذي ضيق الخلق وغياب الاحساس بواقعنا كسودانيين وإنفلات البعض منا في مسائل غير صحيحة، مرده الضائقة المعيشية والاقتصادية التي يعيشها الشعب السوداني في هذه الأيام العصيبة، المطلوب من الجميع اعمال الحكمة والرشد لتجاوز واقعنا وليضع كل واحد منا الرحمن في قلبه، مشكلتنا الرئيسية في السودان كل من يملك بضاعة أو سلعة يود أن يبيعها بما تشتهيه نفسه من سعر وحسب فهمه لسياسات تحرير الاقتصاد السوداني وفي غياب شبه كلي للدولة في الاسواق، الوضع يحتاج لمراجعات حقيقية ودقيقة في السياسات الاقتصادية الكلية والقطاعية والتجارية. والله من وراء القصد محمد عثمان سيراب