إمام مسجد مدينة الصحافيين بالوادي الأخضر تناول عدة موضوعات في خطبة الجمعة الماضية وذلك تحت عنوان واحد وعريض هو "أسس الإسلام" التي لاتقبل الأخذ والرد، ومن ضمن ذلك انتقد –الإمام- الصحافيين الذين انتقدوا الحكم الذي صدر ضد عادل إمام بالحبس والغرامة.. الإمام الجليل قضى بأن ذلك الحكم هو انتصار للإسلام. ويُفهم من كلامه أن انتقاده بمثابة "خط أحمر " وخروج عن الإسلام! هذا الموضوع يعود بنا إلى مخاوف عديدة كنت قد أثرتها من قبل حول مستقبل الفنون في مصر بعد سيطرة الإسلاميين والسلفيين على مقاليد الأمور هناك، وقد ثبت بالدليل القاطع صحة هذه المخاوف بعد فترة قليلة جداً من التطمينات التي حاول قادة الاتجاه الإسلامي في مصر بثها في قلوب الناس، وتمثّل قضية عادل إمام قمة جبل الجليد فقط ! وبعودة لماحدث لعادل إمام، نجد أن محكمة في القاهرة قضت بحبسه ثلاثة أشهر بعد أن أدانته ب "الاساءة إلى الإسلام" في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي، ومن بين الأعمال التي تسببت في ذلك الحكم أفلام "الإرهابي، مرجان أحمد مرجان ومسرحية الزعيم". وهذا هو أول حكم تصدره محكمة مصرية حيال حرية الإبداع للفنانين المصريين وتقضي بحبس مبدع نتيجة مشاركته في عمل مصرح به رقابياً وتم ذلك – بطبيعة الحال- بعد نجاح التيارات الإسلامية في الحصول على غالبية مقاعد مجلس الشعب المصري. تفاصيل ما حدث، سواء من قضية عادل إمام، أو تناول الإمام وغيره لتداعيات هذه القضية في السودان، يشير إلى عدة نقاط مهمة، يزيد من اهتمامها بروز العديد من التيارات السلفية المتشددة في السودان مؤخراً وتهديدها للفنون، بل ومساهمتها في نسف السلام الاجتماعي ونشر الفكر المتطرف ومعاداة وتكفير الفنانين والمبدعين، وصولاً إلى طمس الحقائق التاريخية وإغلاق المجتمع السوداني العريض والمتسامح في بؤرة التطرف الديني ومن نتائج هذه الآلة الإعلامية الضخمة والمنظمة والمسنودة من بعض أطراف النظام – رغم وجود الدستور والتشريعات التي تمنع ذلك – من النتائج الواضحة، حرق كنيسة الجريف في سابقة خطيرة جداً! ومعروف أن الدراما لها أدواتها التي تختلف عن " الضجة بالرادي والخطب الحماسية " ولا يختلف اثنان في أن مشهد الرجل المخمور وتجسيد تصرفاته الخرقاء من خلال مسرحية خطوبة سهير، أوصل الرسالة أفضل من ألف خطبة تتناول أضرار شرب الخمر على الفرد والمجتمع وهذا على سبيل المثال التبسيطي فقط. وباختصار شديد،إن ما قام به عادل إمام في أفلامه ومسرحياته لا يعد إساءة للدين الإسلامي بل العكس تماماً، فقد فضح وعبر آليات العمل الإبداعي الدرامي، أولئك الذين يتاجرون ويغشون الناس باسم الدين ويستغلون العاطفة الدينية لتمرير أجندتهم الدنيوية ومصالحهم الخبيثة وما أكثر أمثال هؤلاء في بلادنا، ومن الواضح أن حملة الأئمة ضد الفن تجيء لقطع الطريق أمام أية محاولة درامية سودانية لفضح المتلاعبين بالدين وما أكثر المواقف التي تحتاج إلى" تعرية" في بلادنا، سواء أكانت هذه التعرية بالدراما أم بالشعر أو بأيٍٍٍ جنس إبداعي آخر.