يمشي على مهل وكناسته تمر على الأوساخ والأشياء الملقاة على قارعة الطريق ولا تلوي على شيء، اعتادت أنفه استنشاق أفظع أنواع الروائح، ينظف الأمكنة وهو من نظف روحه من تعليقات المارة من الرجرجة والدهماء والسوقة، يعمل ويشغل كل أحاسيسه في رضا تام عن دورة ومن أخذ أجرا حاسبه الله بالعمل، كما كناسته لا يلقي بالا للذين يتأففون من مهنته، يردد أحيانا أعذب الأغاني والمواويل الشعبية، يستأنف عمله في همة ولكن بهدوء كما الفراشات تنتقل بين أزهار الحدائق. لا يرتاح له بال إلا عندما يقضي على مزبلة ويجتثها من جذورها تماما كالثوار عندما يقضون على سلطاتهم المتجبرة والمتخثرة وحكامها المتنطعين والمنعطنين في العفن مثل أكياس النايلون التي تحملها كناسة عاملنا الهميم. ينظف وينظف حتى تصبح الشوارع والحواري، والقصور، والسرايا، والمنازل، والمدارس، والمشافي، والأسواق حتى المحابس والسجون لحن موسيقى شجي يرى ولا يسمع يطرب بدون نغم يحس ولا يلمس، تتغير حتى تلك الروائح النتنة لمكان محايد لحاسة الشم تلفحك أحيانا ريحة البن وروائح وأنفاس الورود من الحقول والحدائق المنزلية وأحيانا أخرى تسنتشق رائحة الطمي والطين والأطعمة والروائح المنبعثة من ثياب المارة والأمكنة بخور، وصندل، وعنبر هندي، وعطور باريسية، وأخرى بلدية خمرة، وبت السودان، وتركيب قدر ظروفك، وتفرض عليك أبخرة عوادم السيارات الخاصة والعامة، ودخان السجاير والمصانع وبقايا المزابل رائحتها فرضا حد الموت. ينظف عاملنا الهمام وعينه ترى وتجمل ويده تحمل وأذنه وكأنها لا تسمع الضجيج والألفاظ الجارحة والنابئة المستنكرة لعمله. ويزيل بكناسته تلك حتى القاذورات من فضلات (الحيواناسات) الذين لم يحترموا الظل والطريق ولا الرفيق، أولئك الذين لا يتحسسون أو يستحون من فعلتهم تلك بل يتركون قاذوراتهم وعوراتهم للشمس والسابلة تماما كما بعض المسئولين الذين يعبثون بأموال العامة والمساكين وأوقاتهم ولا يختشون من أفعالهم وأقوالهم التي هي أقزع وأكثر قذارة من فضلات الملاحم والجزارة بل يكتسون لحما وشحما و يكتسبون مالا وجاها ويزيدون وإذا كنت من المستنكرين فاضرب برأسك الحائط. وعاملنا المجتهد ينظف ولأنه ملاك من شمع يحترق ولأنه مبادر خلاق يفترع يقوم على عمله بهدوء وهمة، ولأنه مناضل يقاوم الأوساخ، والآراء، والغبار، والضوضاء، والأدواء. لأنه عابد بمحراب متبتل يأكل من عمل يده وشعاره وفعله النظافة من الإيمان. يعمل بحكمة قليل مستمر خير من كثير منقطع، لا يتثاءب لا يمل يكدح ويفلح في كسب رضا الله وخلقه، نعم إنه كناسنا المحترم مظهره لا يرضي بعض الناس ولكن مخبره مرض لنا جميعا. اليسع الإمام