تطور خطير وقفزة غير مسبوقة في سوقة اللوحات الفنية، هذا قيل الأسبوع الماضي بعد بيع لوحة الصرخة للرسام الانطباعي النرويجي ادوارد مونك بمئة وعشرين مليون دولار، متفوقة على لوحة للاسباني الشهير جدا بابلو بيكاسو التي بيعت قبل عامين بمئة وستة ملايين دولار. احتشد المزايدون من الأغنياء ووكلائهم في صالة مزادات ثوذبي في نيويورك وقد كان السعر الافتتاحي 50 مليون دولار فقط "يا بلاش" بعد أن قيم خبراء الدار اللوحة ب 80 مليونا. أهو الجشع أم هي الرغبة في الاقتناء أم هي القناعات بالفن وتراثه أم هي التجارة؟ فاللوحات سلع نادرة تمكن من يشتريها اليوم من مراكمة أرباح ضخمة إذا باعها غدا. انطلقت المزايدات وتجاوزت ما كان محددا بكثير، قبل أن تتوقف عند مئة وسبعة ملايين لتضاف إليها العمولات والضرائب ليكون إجمالي المبلغ مئة وعشرين مليون دولار. مبلغ يكفي لتشييد جسرين اسمنتيين فوق النيل ونحو خمس مستشفيات عصرية وغيرها كثير. لكنها مفارقات الحياة في الألفية الثالثة وسيادة المضاربات ودخولها في مجالات غير تقليدية. ما بيع مجرد نسخة طبق الأصل من اللوحة، لأن صاحبها أنتج أربع نسخ منها، أي ستمائة مليون دولار، تخيلوا كل هذا في لوحة لو صادفها كثيرون ملقاة على الأرض لما كلفوا أنفسهم مشقة الانحناء لالتقاطها، ولو من باب إماطة الأذى عن الطريق. تنتمي الصرخة للمدرسة الانطباعية وقد أنجزها مونك عام 1895 مصورا شخصا مذعورا يصرخ وسط طبيعة لا تفصح كثيرا عن ملامحها، لكنها تكتفي بالتصورات المسبقة عنها لدى البشر. قال النقاد في وصف الصرخة إنها العمل الفني الوحيد الذي جسد قلق الإنسان وخوفه من الموت، قالوا ذلك لمجرد أن مونك أرفق نصا شعريا في هذا السياق مع صرخته حين عرضها أول مرة. شخصيا حاولت التفرس في اللوحة وتكبيرها عدة مرات بحثا عن ما سماه البعض ملامح الخوف وقسماته الناجمة عن صرخة شقت أعماق بطل اللوحة لتخرج مخلفة نفسها في وجهه، لكنني لم ألتقطها أبدا. أعترف بضعف ثقافتي الفنية، هي مجرد انطباعات أو محاولات لفهم ما يجري في هذه الساحة الثرية، حاولت مرات ومرات دون جدوى، يعجبني بيكاسو وبعض رواد المدرسة السوريالية خاصة سلفادور دالي، فالأخير فعل ما لا يفعل بالجسد والنفس البشريتين وبما يتجاوز مونك وصرخته بكثير. أخشى أن أفتح على نفسي أبواب جهنم بدخولي غياهب النقد الفني ولو من باب الانطباعات المباشرة، فمن حق أي إنسان التعبير عن تماسه الأول مع أي لوحة كانت، وماذا عنت له، وهل ما نشكله من انطباعات وآراء معزول عن التصورات المسبقة والآراء النقدية بخصوص هذه اللوحة أو تلك. أي كانت الإجابة، فسوق اللوحات الفنية لم ولن يتوقف ولو لحظة أو يشغل نفسه بما يكتب ضده والانتقادات التي توجه له، طالما هناك مشترون يدفعون ويجنون الملايين من تداول الأعمال الفنية بيعا وشراء.