عودة حذرة إلى الهدوء بين الخرطوموجوبا، واتفاق مبدئي عبر الوسيط الافريقي لعودة المفاوضات. هل تغيرت المواقف بسبب ضغوط مجلس الأمن والمهلة التي حددها سلفا، ام هي الاستجابة لمطلب الشركاء الأفارقة ممثلين في الاتحاد الإفريقي. هل يحق لنا الاسراف في التوقعات والتمني، لنقول ان التحول الملحوظ في مواقف البلدين نابع من قناعة داخلية، وانه نتاج مراجعات خاصة تغلبت فيها المصلحة على لغة الحرب وآلتها الغاشمة. ما يهمنا حقا، تثبت الجميع من اهمية المفاوضات باعتبارها السبيل الاوحد والوحيد لحسم كل الملفات العالقة بين جوباوالخرطوم، واستعادة روح التعاون والتنسيق التي ضاعت او كادت تضيع بسبب اعتداء الجنوب على هجليج وما تلاه من تداعيات. ومع ذلك علينا عدم الافراط في التفاؤل والظن بان كل شئ سيمضي بسلاسة متجاهلين شرخ هجليج وجرحها. فالمواجهات الاخيرة لم تدر بالوكالة ولا في نطاق الاراضي محل التنازع وانما في عمق الاراضي السودانية. من هنا يفهم اصرار الخرطوم على ما تسميه ضمانات امنية تمنع تكرار الهجوم ثانية. كيف ومتى سيتم ذلك فالامر متروك للمفاوضات التي لن تكون سهلة فان كان من حسنة للتصعيد الاخير، هي انه سيرسي قواعد واضحة للتفاوض بعد سنوات من المناورات المتبادلة، حتى وان تاخرت النتائج. جوبا بادرت بالدعوة الى التفاوض، ومع ذلك من الخطأ عدم التجاوب معها فالازمات من أي نوع كانت تنضج وتتقدم نحو الحلول النهائية من خلال المفاوضات وليس الحروب. تراكم الخلافات ربما يبعث على اليأس وهذا هو الشعور الغالب الان في الاوساط الشعبية على الاقل. لنبدأ بالنفط كونه سرع ايقاع الازمة ودفع بها نحو الانفجار في هجليج، رهانات وقرارات الجانبين في ما يتعلق بالنفط لم تكن موفقة، سواء التسعيرة التي طلبتها الخرطوم لعبور نفط الجنوب او مسارعة جوبا الى اغلاق الابار. من مصلحة الطرفين حسم موضوع النفط اولا على عكس الرأي القائل بأولوية القضايا الامنية، لان النفط سيعيد العافية الى اقتصادي البلدين بكل ما يعنيه ذلك. المصلحة ايضا تقتضي حسم قضية الدعم المتبادل للمتمردين شمالا وجنوبا، واول الحسم في هذا الجانب اتفاق شمالي خالص ينزع التوتر في جبال النوبة وجنوب النيل الازرق ودارفور ويسد الطريق امام جوبا ان هي فكرت في استغلال مشاكلنا الداخلية. والامر نفسه ينطبق على الجنوب أي البحث عن حل للخلافات بين الحركة الشعبية وخصومها. فالاوضاع لن تستقيم والسلام لن يتحقق الا بوجود نظامين سياسيين يحظيان باجماع وطني كامل او شبه كامل على تراب البلدين. نقول ذلك لان الاوضاع على الارض لا تسوء الا من باب الحرمان الناجم عن وقف تدفق النفط والتجارة والرعي من جهة والتدخل المتبادل في شؤون الدولة الاخرى عبر دعم المتمردين هنا وهناك. ناتي الان لترسيم الحدود ولا نبالغ اذا قلنا ان ما من مشكلة حدود حلت عبر العالم الا بعد تحويل الحدود الى مناطق للتبادل التجاري والثقافي والمنفعي، وبعد تمكين سكان الحدود على الجانبين من تجريب فوائد التعاون والتنسيق والتجارة. اسوأ ما يقع لاي حدود هو تحويلها الى جبهات عسكرية دائمة. نحن في انتظار المفاوضات المقبلة اذن مهما تاخرت او تعثرت ربما لاملنا بانها ستكون مختلفة عن سابقاتها.