أبو علي اكلاب في حكاياتنا مايو في عام1969م إشتد التململ وسرت الروح الوطنية في أوصال شباب القوات المسلحة الشباب التواق الى التغيير. الشباب الطموح والذي تمتلئ أفئدتهم بحب الوطن وجمعهم الاحساس بالدمار الذي كانت تتعرض له البلاد. حرب في الجنوب وبوادر تمرد في الشرق والغرب. ومن "خور عمر" إنطلقت طلائع كتائب مايو تروم إنقاذ البلاد ووضع حد للفوضى فكان لها ما أرادت حيث عانقها الشعب يوم مولدها وحملها على الاكتاف. كانت البلاد تعيش حياة الفوضى وعدم الاستقرار في تلك الأيام وكان الجو ينبئ بانفجارات وحروب أهلية وخلافات حزبية والصراع حول المغانم وكانت المقاعد شغلهم الشاغل. وحينما وثب شباب القوات المسلحة الى سدة الحكم تجاوبت معهم الجماهير المتطلعة الى فجر جديد، الجماهير التي عانت من الاهمال والنسيان واختلال الامن فبدأت مايو بمشروعات كبيرة كانت حملة محاربة العطش والسلم التعليمى ولجان تطوير القرى فأنفتحت الأبواب للشباب الطامح للقيادة والحكم وبرزت في الساحة قيادات أعمتهم الطائفية والقبلية وتفتحت ابصارهم على أنغام مايو. كانت مايو مشروعا وطنيا يتقدم صفوفه المخلصون والعلماء والمفكرون من الجامعات وكان شعارهم "لاحزبية ولاقبلية" معيار الحكم في مايو كان "الأداء" "والكفاءة" "وحب الوطن" ومعروف في السودان آنذاك أن الكوادر السياسية المقتدرة إما أن تكون يمينية أو يسارية فبدأت مايو بالطليعة المثقفة حينئذ بالحزب القوي الذي يستطيع قيادة "الشارع السياسى" كان الحزب الشيوعى أكثر الاحزاب تماسكا وتنظيما في القارة الافريقية وكانت كوادره تقود النقابات وتنتشر بين الجماهير. ولكن نتيجة لسوء تخطيط الحزب والاستعجال لتسنم قمة الحكم وعدم قراءته للشارع السياسي بدقة أصطدم الحزب الشيوعى "بخطأ التدبير" وأرتطم بصخرة الجمهور الذي كان يكره الفكر الشيوعى رغم محبتهم للحزب الشيوعى السوداني ونضالاته. تعجل مخططو الحزب فنالوا خطأ عجالتهم فأسدلوا بذلك الستار على أقوى تنظيم في الشرق الاوسط. كان ذلك فتحا للحركة الاسلامية حيث إستطاع "عرابها" والذي ظل حبيس سجون مايو مايقارب السبعة أعوام. أن يرمى حبائل الود ويروض من بطش نميرى حتى كانت المصالحة الوطنية 1977م التي استفاد منها الاسلاميون كثيرا وبنوا حزبهم على أنقاض الحزب الشيوعى الذي تلاشى ومارس نشاطه تحت الارض. ويرجع فضل بناء الحركة الاسلامية الى الشيخ الترابي كان الترابي من الذين كتبوا وحملوا المذكرة أيام أكتوبر الى ابراهيم عبود للتنحى عن الحكم وتألق أسمه وسط أجواء الرصاص وثورة أكتوبر العارمة كواحد من أبطال الثورة الذين فتحوا صدورهم للرصاص. واكتوبر كانت من أعظم الثورات الشعبية التي حققت الحرية والديمقراطية فدخل الترابي الجامعات بأسلوبه الجذاب وحنجرته الساحرة فحول معظم طلاب المدارس والجامعات من اليسار الى اليمين ولعل الكوادر التي تحكم الان سواء كانوا من المنتمين الى حزب المؤتمر الوطني أو المؤتمر الشعبي هم جيل أكتوبر الذين كانوا في الجامعات والمدارس الثانوية أنهم نتاج أستقطاب الترابي وجذبهم الى الحركة الاسلامية واستطاعت الحركة الاسلامية عكس الحزب الشيوعى أن تجاري نميري ونظامه وأن تخترق أجهزته "الاتحاد الاشتراكي" وأن تكون كوادر موازية له في الاحياء ثم سعت لتدمير قيادات مايو العليا وأبعادها من" نميري حتي تسببت في عزل بعضهم وزج الاخرين في السجون مثل ابو القاسم محمد ابراهيم الذي سطع نجمه وعرف بعدائه للاسلاميين لقد إستطاعت الحركة الاسلامية أن تنخر في عظم مايو حتي ضعف النظام ومن أخطاء "نميري" أن اقبل على الحركة الاسلامية بعد أن سيطرت على الشارع السياسي وزج بهم في السجون حيث خلا الجو للمعارضة الحزبية والمعارضة الضعيفة والكوادر الاسلامية التي لم تطلهم يد الاعتقالات فكان انهيار "مايو" ولو لم يعتقل نميري أعضاء الحركة الاسلامية لبقي على سدة الحكم طيلة حياتة ولورث الاسلاميون نظام مايو. ومن مثالب مايو أن نميرى رغم شهامته ووطنيته الا انه كان له أذن صاغية لمجموعة من المقربين ورواة الاخبار يملأون وقت فراقه بمعلومات مضللة بقصد تفكيك النظام أو بحسن نية. وعلى اثرها كانت تصدر القرارات الجمهورية بإعفاء رفقاء السلاح الاصدقاء لمجرد أن تحوم حولهم "الشكوك" الباطلة غير المؤسسة وبعد عودته الى الوطن وتكوينه لحزب التحالف قابلت نميرى بمكتبه "ببري" حيث عرفنى به الأخ "عمر محقر" الصديق الصدوق لنميرى. كان نميرى قد ترشح في تلك الأيام لرئاسة الجمهورية منافسا للرئيس عمر البشير. كانت نصيحتى له أن لايترشح ضد البشير لاسيما وأن نظام الانقاذ شبيه بنظامه. وانهم كرموه وأن معظم كوادر نميري قد انخرطوا في المؤتمر الوطني وطرحت له فكرة أن "يقوم" بدور الوسيط بين "ارتريا واثيوبيا وارتريا واليمن تاركا العمل في السودان لرفقاء السلاح الذين نزعوا الحكم من الاحزاب والتي كانت تناصبه العداء وتطالب بمحاكمته وأعدامه ولكن الرجل لم يقبل النصح وعرفت في تلك اللحظة أن السطلة "ألق" وظل ويوم أن تزول السطلة يزول الالق وينمحى الظل وتزول "الرهبة" أن الرهبة للقائد يصنعها الحرس والحشم وهالة الامن وبمجرد أن يزول الحكم يصبح الامبراطور شخصا عاديا.. إن نميرى الذي قابلته "ببري" لم يكن نميرى الذي كنا نستقبله بالهتافات أنها الأيام" وأنها دوارة شمس الضحى". ونميرى طراز نادر من العظماء الذين حفروا بأظافرهم مايشبه الاعجاز على جدار الوطن. لم يسع لتكديس الاموال وبناء شامخات القصور عاش فقيرا ومات فقيرا. كان بأمكانه أن يمتلك القصور ولكن آثر أن يكون القدوة فعاش بين أهله في ودنوباوي في بيوت من"الطين" لقد إختار العالم وأهل السودان كيف أنه لم يمتلك الزرع والضرع وهو كان يمتلك مقاليد الحكم فالرجل يمثل أجيالا وعمالقة من السودانيين الذين سبقوه في الحكم وماتوا و في أعناقهم "ديون" ايجارات المنازل أجيالا همهم بناء وطن متماسك سخروا ذواتهم من أجل أسعاد مواطنيهم، رجال تركوا في الحياة اثرا وذكرى عاطرة تفوح بعبقها يملأوننا فخرا وأعزازا لقد حكم نميرى مايقارب الستة عشر سنة مليئة بالانقلابات اليسارية واليمينية ورغم ذلك أنجز الكثير من المشروعات ووضع الاساس للحكم الاقليمى الذي أفرخ الكثير من قيادات الاقاليم ثم أن نظام نميرى تجربة حكم استفادت الانقاذ منه ومن كوادره أيضا. أن نظام نميرى ملئ بالأحداث التاريخية والانقلابات وأن "سر" تلك الاحداث محبوس في صدور الكثيرين الذين شاركوا وعاصروا تلك الفترة. ولانها أحداث تهم الوطن والمواطنين نناشد قياداتنا الذين لهم دراية ومعرفة بتلك الفترة أن يدلوا بافاداتهم حتي نغذى اجيالنا بتلك المعلومات عن وطنهم وللحديث بقية.