روحانية الإنسان: عندما ذهبت إلى طهران للمشاركة في المؤتمر العالمي للأديان والصحوة المعاصرة، فرحت جداً بهذا المؤتمر، وقد صرت عاشقاً متيماً لمثل هذه المؤتمرات، وقد بدأت هذا منذ طلب منيّ رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير في عام 1992م أن أكون رئيساً لأول رابطة لحوار الأديان في السودان، وقد عقد الرئيس الأمل على أول مؤتمر لحوار الأديان في السودان، وكان يكرر الدعوة إليه، وهو سعيد بفكرته السعيدة، وكان البعض يعتقد إننا في السودان متحاورون ومتحابون، ولا داعي لهذا المؤتمر، ولكن كان لابد من ولوج هذه المؤتمرات لأن وسائل الإعلام العالمية صورتنا غير هذا، وفرضت علينا حصاراً إعلامياً يقدم الأدلة على أننا متوترون متعصبون ونحن لسنا كذلك ولن نكون كذلك، ومنذ عشرين عاماً ونحن نعقد مؤتمرات الحوار، ونشارك في مؤتمرات العالم كله، وآخرها هو هذا المؤتمر الذي عقد في طهران الجميلة حاضرة إيران في 30 أبريل وأول مايو 2012م، وقد أسعدني في المؤتمر ليس اللقاء مع قادة الحوار في العالم، ولكن اللقاء مع علماء إيران، الذين هم متبحرون في الإسلام الحنيف، ومتبحرون في التآخي بين الأديان. وفي كلمتي هناك تذكرت كتابي الموسوم روحانية الروح والجسد، والذي قدمه للقارئ أثنان من الشعراء السودانيين هما طه القدال ومصطفي عوض الله بشارة، وكلاهما شاعر فحل نحرير، وآخرهما كتب العديد من الكتب يناطح بها تاريخ الشعر في السودان، بل يضع الشعر السوداني في منصة التاريخ محاكمة وتأصيلا، وتعارفاً جميلاً، وكتابي هذا قدمته إلى روح الأب القمص فلتاؤوس قلادة الذي عاصر المهدية في الأبيض، والذي جاء من الأبيض إلى أم درمان وأقام أول زواج جماعي بين شباب الأقباط وشاباته، كما أشترى أرضاً في منطقة خالية من السكان، غزيرة من أشجار المسكيت التي كان الأطفال يأتون إليها من المواقع البعيدة، ويأكلون ثمرها الذي كان يسمي تمر أبونا، وعلى هذه الأرض أقيمت كنيسة العذراء الحالية بأم درمان ونشأ حي جميل هو حي المسالمة، الذي يعد صورة مشرقة للتعايش والتوادد والمسالمة بين الناس، والذي سكنه وحتي الآن عدد كبير من الأقباط وسط جمع كبير من القبائل السودانية الأخرى، وعاشوا معاً حتى البيوت كان بينها أبواب وصل صغيرة هي النفَّاج، ولا بد أن أذكر أن الدكتور نبيل روفائيل عبد المسيح، هو الذي تحمس لهذا الكتاب وطبعه على نفقته إحياء لذكرى جده العظيم فهو حفيد القمص فلتاؤوس قلادة. الصحوة الروحانية: وفي مؤتمر طهران طالبت أن تسمى الصحوة المعاصرة بأنها الصحوة الروحية أو الروحانية، لأن شباب الربيع العربي أعاد الروح إلي حياتنا، وإلى أيامنا التي كادت تضيع روحانياتها بسبب الطغاة والبغاة والحكام المستبدين الذين لم يتركوا مواقعهم إلا بقوة دم أبناء الوطن العربي من الشهداء الشباب الذين صمموا على أن ينتهي هذا الجمود، وتعود الروحانية إلينا. وكان ينبغي أن يعود رجال الدين إلى الروحانية، وهم رجالها وأصحاب دعوتها، ورَّن صوت في الأعالي وعلى الأرض يقول للشعب والحكام: أقبل علي النفس وإستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان لقد فقد رجل الدين موقعه لأن الحاكم إستبد عليه، وهدده بأقسى الوعود بالسجن والسحل إن لم يعاضد الحاكم المستبد ويتحدث كذباً عن أصالته في الديمقراطية المزيفة، وجاء شباب الربيع العربي لينقذ رجال الدين من بطش الحاكم، ويعيد إلى الدعوة المقدسة روحانية المبادئ وروحانية السلوك، والحقيقة أنتي كنت أتمنى أن يدخل رجال الدين غياهب السجون من أن يقفوا بباب الحاكم ويشحذون رضاه وهو وسن شقي مخاتل ومخادع، ولقد شكرت في شبابنا العربي وهو يقود الربيع العربي إسترداد كرامة رجل الدين، ووقف رجال الدين مع الثورة، وبعد أن أعترفوا بالتوريث، وشاركوا في تغيير النظام الديموقراطي إلى نظام ملكي، وأجلسوا على كرسي الحكم حكاماً يحكمون مدى الحياة، ويورثون أبناءهم على كراسي الحكم وتنشأ ملكية غير أصلية، ويغضون الطرف عن حكام هم قبيلة أقزام عملوا لأنفسهم وحصلوا على الغني والذهب والفضة والعملة الصعبة، ورصوها رصاً في منازلهم، عدا بنوكهم، صار رجل الدين الآن يصلي مع الثوار، ففي ميدان التحرير أقيمت القداسات الإلهية العديدة، كما أقيمت صلوات الجمعة، وأصبح لكل جمعة اسم لامع، جمعة الغضب، وجمعة رفض الحاكم، حتي أعلن أول نائب للرئيس تنحي الرئيس. لقد تألق رجال الدين في مؤتمر طهران، وعندما أعلن البعض مخاوفهم أن يتحول الربيع العربي إلى خريف هزيل، أعلن الغالبية أن الربيع العربي باق ربيعاً، سوف يختال بالحسن حتى يكاد أن يتكلما، بل إنه قد تكلم وصارت كلمته مسموعة ومهضومة ومحبوبة، وخرج الناس مع الشباب في الشوارع يرفعون الهتافات التي تطالب بإسقاط النظام، وسقطت نظم كثيرة، وسوف تسقط نظم أخرى، ومهما أخذ الأمر من وقت فإن رجل الدين عادت إليه روحانيته، وسوف لا يقف مرة أخرى على باب الحاكم، إنما سوف يؤيد وبشدة روحانية مؤتمر طهران الذي سجَّل وبفخر وإعتزاز، وبعلماء من الدين الإسلامي، وأساقفة ومطارنة وقمامصة من الكنائس عودة الروحانية إلى رجل الدين المنوط به الآن أن يكمل المشوار. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته