عندما كنت فى القاهرة قبيل المناظرة المفتوحة بين المرشحين عبدالمنعم أبو الفتوح وعمرو موسى كان واضحا للمراقبين أنهما سيصعدان للجولة الثانية دون غيرهما ولذلك كتبت حينها أن الجولة الثانية سيكسبها أبو الفتوح للأسباب التى ذكرتها ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن الاثنين إذ علمت لاحقا بعد عودتي أن تلك المناظرة من وجهة نظر المراقبين والمحللين النفسيين خاصة لحركة الجسد عند المناظرة كانت ضارة لكليهما إذ ظهر عمرو موسى للمشاهدين أقرب للشخص المتعالي وأبو الفتوح متوترا الأمر الذى أبعد عنهما قطاعات واسعة وصعد مرسى ثم شفيق ثم صباحي وانحصرت الإعادة بين مرسى وشفيق. ثم ظهر بعد الجولة الأولى – كما لأي مراقب – تقدم واضح لشفيق على مرسي وسيفوز بالرئاسة لولا الحكم على الرئيس المخلوع مبارك ومن معه فتغير الموقف تماما لصالح مرسي.. كان الشعار قبل الحكم هو الخوف من سيطرة الإخوان الكامل وانفرادهم بالحكم وعدم اعترافهم بالديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة بعد انتهاء الفترة فكان الخيار هو شفيق، ولكن لما بدأ القاضى يقرأ حيثيات الحكم ارتفعت التوقعات بأحكام قوية تصل للإعدام إن لم يكن لمبارك لكبر سنه فعلى وزير داخليته ومساعديه الذين كانوا زبانيته وقتلوا مئات الشهداء والجرحى خاصة فى حادثة الجمل بميدان التحرير التى كانت القشة التى قصمت ظهر نظام مبارك.. رفع القاضي التوقعات خاصة لدى أهل الشهداء والثوار ولكن جاءت الأحكام باردة وغير متوقعة فقلبت الموازين إذ أحس الشعب المصري بالإهانة والاستهتار بدم الشهداء وبالثورة المصرية سيما وأن الوثائق التى كانت ستدين المتهمين تم إحراقها بأمر من قادة النظام وعلى رأسهم مدير المباحث الذى استبقى فى الحبس لذات الغرض.. ويقول المصريون خاصة الثوار إنه لو فاز شفيق فسيكون رؤوفا على قادة النظام السابق بل ربما يعودون للسلطة سيما وأن أمثال أحمد عز وغيره من المستفيدين من نظام مبارك هم الذين موّلوا حملة شفيق.. لقد تذكر المصريون تلك المسرحية الهزلية القديمة لذلك الفنان وهو يقول لآخر كلما سأله: شفيق ياراجل.. شفيق اللي عمل كذا وكذا.. شفيق ياراجل.. شفيق اللى...!! فكان مثار تندر وذهب مثلا للأوانطة.. فالمرشح شفيق متهم الآن بالفساد لأنه أعطى جمال وعلاء مبارك أرض كبيرة بسعر رمزي عندما كان مسئولا ثم أن مبارك عينه رئيسا للوزراء لثقته فيه بل صرح شفيق بعد الثورة أن مبارك مثله الأعلى.. وكان الفلول هم قادة حملته... شفيق ياراجل!!! الفرصة الآن مواتية للسيد مرسي وحزبه والإخوان المسلمين بكل تأكيد لكن إذا لم يستفدوا من هذه الفرصة واستمروا فى عنادهم وظهروا بمظهر التعالي السياسى والديني وظنوا أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم وأنهم سيديرون البلاد لوحدهم دون مشاركة حقيقية من الآخرين ولم يتنازلوا ويتواضعوا مع بقية المرشحين والثوار خاصة فى مسألة الدستور ومجلس الرئاسة والحكم المدني الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة وفصل السلطات والفهم العميق والصحيح لمفهوم الشريعة فمن المؤكد سيتغير الموقف مرة أخرى وقد يضطر الثوار للتضحية بمرسي ومن ثم سينفتح الطريق أمام شفيق للفوز.. هذا على أحسن الفروض، أما الأسوأ فستعم مصر الفوضى عندما يفشل سياسيو مصر والقوى السياسية من الاتفاق وحينها ربما يستغل الفلول أو العسكر الوضع ويعود النظام القديم بوجوه جديدة.. خير لإخوان مصر أن يتركوا التعالي السياسي والتصرف الأحادي كأنهم الوحيدون فى الساحة أو أنهم يملكون الحقيقة وحدهم وليتذكروا أنهم كانوا بالأمس فى السجون والمعتقلات لسنوات وسنوات وتشرد كثير منهم والآن يختبرهم الله بالسلطة والرخاء وهو اختبار أصعب من الهوان والفقر.. فالله هو رب العالمين وليس رب المسلمين ولا الإخوان وحدهم فليتذكروا ما فعل بنو اسرائيل الذين اختبرهم الله ونجاهم من فرعون وأورثهم الأرض فانتكسوا.. إن الله يختبر عباده دائما بالخير والشر فليتعظوا.