تبقى أقل من أسبوع على ميقات انطلاقة جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية التي سيخوضها كل من مرشح حزب الحرية والعدالة –الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- د. محمد مرسي وآخر رئيس وزراء في عهد ما قبل الثورة الفريق أحمد شفيق وستحدد بشكل نهائي المرشح الفائز بمنصب رئيس الجمهورية في مصر بعد انتصار ثورة الخامس والعشرين من يناير الشعبية التي أنهت حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك. تبدو الأرقام النهائية التي أظهرتها نتائج الجولة الأولى محتوية على العديد من التفاصيل والملاحظات التي استوقفت المراقبين خاصة أن جزءا منها يمكنه إعطاء ملامح عامة لكيفية حسم الجولة القادمة والحاسمة المقرر انطلاقها يومي السبت والأحد القادمين. نجد أنه حينما أعلنت نتائج اقتراع المصريين في الخارج تقدم مرسي على جميع المرشحين بفرق كبير بعد تعزيز الأصوات التي حققها في المملكة العربية السعودية تقدمه بحصده أكثر من 100 ألف صوت وحل ثانياً د. عبد المنعم أبو الفتوح بأكثر من 80 ألف صوت أما حمدين صباحي فأحرز أكثر من 45 ألف صوت فيما جاء ترتيب عمرو موسى رابعاً بأكثر من 41 ألف صوت، أما شفيق فلم يحرز سوى أقل من 25 ألف صوت ووقتها بدا للجميع أن نتائج الخارج قد تصلح بمثابة بروفة مصغرة لما ستشهده انتخابات الجولة الأولى. خلط الحسابات إلا أن نتائج الاقتراع النهائية في المحافظات المصرية ال27 جاءت مخالفة لتلك التوقعات وأفرزت معطيات جديدة قلبت المشهد رأساً على عقب حيث حافظ مرسي على تقدمه في الصدارة فيما قفز شفيق من المرتبة الخامسة بنتائج الخارج للمركز الثاني وتقدم صباحي مركزا للأمام فيما تراجع أبو الفتوح مركزين وحل رابعاً وتراجع موسى مركزا واحدا ليحتل المركز الخامس، وهو ما جعل نتائج اقتراع المصريين بالخارج ذات دلالة رمزية أكثر من كونها عاملا حاسما في نتائج الجولة الأولى للانتخابات. تقدم (الفلول) تعتبر أبرز الملاحظات التي استوقفت المراقبين هي حصول شفيق على ما يقارب ربع أصوات الناخبين رغم تصنيفه ضمن "فلول" النظام السابق مع وجود مؤشر آخر وهو حصول المرشح عمرو موسى –الذي صنف بدوره أيضاً ضمن "الفلول"- على مركز متقدم في السباق الانتخابي وهو الأمر الذي أشار بشكل واضح لتمتع من أطلق عليهم "الفلول" بحضور ودعم شعبي مكن المحسوبين عليهم من حصد أكثر من 8 ملايين صوت من حوالي 24 مليون صوت. سيفرض هذا التحول على القوى السياسية المصرية استصحاب هذا الأمر والتعامل مع تلك الكتلة السياسية باعتبارها أمرا واقعا يستوجب استيعابه في العملية السياسية بغرض تحقيق الاستقرار للنظام السياسي الذي لا يمكن تأسيسه بأي حال من الأحوال عبر إقصاء تيار سياسي فاعل حاز على ما يقارب ثلث أصوات الناخبين. لعل هذا الأمر يفسر قيام أطراف سياسية –كحزب النور السلفي صاحب ثاني أكبر كتلة برلمانية في مجلس الشعب- عقب انتهاء الجولة الأولى للانتخبات بتبني دعوة تهدف لتنقية الأجواء السياسية بالمناداة بشطب مفردة "الفلول" من قاموس الحياة السياسية المصرية وفتح الطريق أمام مشاركة محسوبين على الحزب الوطني المحلول الذي كان يرأسه مبارك من غير المتهمين والمتورطين في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية للانخراط في النشاط السياسي بالبلاد. المحافظات الحاسمة النقطة الثانية التي أظهرتها نتائج الجولة الأولى للانتخابات أن النتائج التي حققها المرشحون في (8) محافظات وهي (القاهرة، الجيزة، الشرقية، الاسكندرية، الدقهلية، البحيرة، الغربية، المنوفية) لعبت الدور الحاسم في تحديد هوية المرشحين المتأهلين للمرحلة الثانية نظراً لاسحواذها على 60% من إجمالي أصوات الناخبين. ما يدلل هذا الأمر هو ترجيح نتائج تلك المحاظفات ال8 كفة شفيق بتصدره 4 منها–وهي "الشرقية، الدقهلية، الغربية، المنوفية"- وإحرازه المركز الثاني في القاهرة حيث دفعته نتائجه في تلك المحافطات الخمس للجولة الثانية رغم احتلاله المركز الأخير في ست محافظات والمركز قبل الأخير في أربع محافظات، حيث عوضت نزيف الأصوات الحاد الذي تعرض له في تلك المحافظات العشر. وعند تجميع أصوات شفيق في تلك المحافظات الخمس نجدها تزيد عن الثلاثة ملايين صوت وتزيد عن نصف مجموع أصواته التي حققها في جميع أنحاء البلاد. قلق (الإخوان) رغم تصدر مرشح حزب الحرية والعدالة –الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- د. محمد مرسي الجولة الأولى وإحرازه المرتبة الأولى في (13) محافظة وتأرجح ترتيبه ما بين الثاني والثالث وحصوله مرة واحدة على المركزين الرابع والخامس، إلا أن جماعة الإخوان تبدو قلقلة جراء تحقيقه الفوز في محافظتين فقط من المحافظات ال8 ذات الثقل الانتخابي –وهما البحيرة والجيزة- كما لن يحصل إلا على 17% من إجمالي أصوات الناخبين في محافظة القاهرة. لكن أكثر ما سيفزع الجماعة وسيثير قلقها هو فشل دعايتها السياسية ضد شفيق ومن تعتبرهم مرشحي الفلول باعتبارهم أعداء للثورة وقد تمكنوا من حصد ما يقارب ثلث الأصوات، كما أن الفارق بين مرشحهم وشفيق على مستوى محافظات البلاد ال27 كان أقل من 300 ألف صوت وهي معطيات تشير بجلاء لتراجع القبول الشعبي الذي تحظى به الجماعة ويعد بمثابة دق ناقوس الخطر لها باعتبار أن عودة الحزب الوطني للظهور تحت أي لافتة أو اسم جديد سيكون خصماً عليها. تراجع الإسلاميين من بين المعطيات التي أظهرتها أرقام نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية هو تراجع تأييد الناخبين المصريين للمرشحين من خلفيات إسلامية وهو ما يشير لبداية تحول في توجهات الناخبين بالمقارنة بانتخابات مجلس الشعب عقب الثورة حيث استحوذ فيه مرشحو جماعة الإخوان وحزب النور السلفي على ما يعادل ثلثي المقاعد. أما في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية فإن المرشحين الذين حظيا بدعم ذات المجموعتين –مرسي مرشحاً عن الإخوان ود. عبد المنعم أبوالفتوح المدعوم من السلفيين عقب إبعاد مرشحهم حازم أبو إسماعيل من قبل لجنة الانتخابات- في انتخابات الجولة الأولى حظيا بما يعادل 9.8 مليون صوت في وقت بلغ فيه مجموع أصوات المرشحين من خلفيات غير إسلامية –وهم شفيق وموسى وحمدين صباحي- ما يعادل 12.9 مليون صوت بفارق ما يقارب ال3 ملايين صوت عن نظرائهم الذين يحظون بمساندة ودعم الإخوان والسلفيين. عدم رضا هذا التحول في توجهات الناخب المصري جاء بمثابة تعبير عن حالة عدم الرضا عن الأداء البرلماني لتلك المجموعات الإسلامية منذ انتخابها وعدم وفائها بوعودها وتعهداتها للناخبين في الفترة التي سبقت انتخابات مجلس الشعب، بجانب فشلها الكبير في ما يتصل بملفات الأمن والاقتصاد وعدم تقديمها أي إنجازات على الأرض، بجانب التخوف من إفضاء الثورة وانتخاباتها لوضع جديد تستبدل فيه هيمنة الحزب الوطني بهمينة الإسلاميين ولعل ما فاقم تلك المخاوف هو التوجه الاحتكاري للإخوان والسلفيين على الهيئة المناط بها وضع دستور البلاد القادم ومحاولتهم تشكيلها على أساس الأوزان البرلمانية مما يعني وقوعها بالكامل تحت هيمنة وسيطرة المجموعات الإسلامية. استأثر بالأغلبية أظهرت نتائج أرقام الجولة الأولى أن مرشحا واحدا استأثر بأغلبية أصوات ناخبي المحافظة حيث حصل صباحي على 62% من أصوات الناحبين بكفر الشيخ، فيما نال أبوالفتوح 52% من أصوات الناخبين بمرسى مطروح وحصد شفيق أصوات 50.3% من أصوات الناخبين بالمنوفية، فيما خسر مرسي الأغلبية في الفيوم بفارق ثلاث نقاط بحصوله على 47% من أصوات الناخبين. تنافس على الصدارة أما أكثر المحافظات التي شهدت منافسة شديدة على مركزها الأول وتقاربت فيها النتائج بين المرشح الفائز والذي يليه فكانت هي دمياط التي تصدرها أبوالفتوح بفارق 342 صوتاً عن صباحي تليها أسوان التي تصدرها مرسي بفارق 705 أصوات عن منافسه موسى. فيما شهدت المنوفية أعلى فرق بين المرشح المتصدر والذي يليه بتقدم شفيق على مرسي بأكثر من 380 ألف صوت تليها كفر الشيخ التي بلغ الفرق فيها بين المتصدر صباحي ومرسي الذي حل ثانياً أكثر من 350 ألف صوت. المفارقة الأبرز من بين المفارقات التي أظهرت نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية تحقيق موسى المركز الأول في جنوبسيناء بإحرازه 6910 أي بفارق 61 صوتاً فقط من أدنى أصوات نالها في المحافظات ال27 والتي كانت في محاظفة مرسي مطروح حيث أحرز فيها 6849 صوتاً. لكن تبقى المفارقة الأبرز هي اكتساح صباحي لمحافظة كفر الشيخ وحصده 62% من أصوات ناخبيه أعلى نسبة أصوات يحققها مرشح واحد، في ذات الوقت الذي لم يحقق فيه سوى 0.8% من أصوات الناخبين في سوهاج أدنى نسبة أصوات يحققها أحد الناخبين ليصبح صاحب أعلى وأدنى نسبة تصويت في ذات الوقت.