بعد شهر كامل من الابتعاد عن مهنة المتاعب بسبب العطلة السنوية، عدت اليوم وجدت الساحة الفنية يغطيها الحزن، فقد رحل نادر خضر ومن بعده عبدالرحمن أحمد الإذاعي المخضرم، ثم الدرامي متعدد المواهب الريح عبدالقادر ثم أخيراً وليس آخرا الشاعر والدبلوماسي سيد أحمد الحاردلو وعن الأخير أحدثكم. سيد أحمد الحاردلو يكتب الشعر باللغتين الفصحى والعامية وصدرت له المجموعة الكاملة التي كتب مقدمتها الأديب الراحل الطيب صالح وقد وصف فيها الحاردلو بما يضعه في مصاف أفضل الشعراء العرب. وعلى مستوى الكتابة باللغة العامية قدم الحاردلو العديد من الأغنيات وقد تغنى له الفنانون حسن خليفة العطبراوي بأغنية "فتح الخرطوم"، ومحمد وردي، بالأغنية التي تعتبر دستوراً للأغنية الوطنية وهي مسدار عشان بلدي واشتهر باسم "يابلدي ياحبوب" وهناك أغنية أخرى لا أدري هل أخرجها وردي أم أن المنية عاجلته قبل أن يفعل ذلك وهي أغنية باسم "أمواج" كما تغنى له عثمان اليمني "تقوللي شنو وتقولي منو.. نحن الساس ونحن الراس". أما الفنان محمد ميرغني فقد غنى للراحل أغنية "ايوا لازم يا جميلة نعود نغني"، وتغنى بهذه الأغنية بالطمبور، الفنان ميرغني النجار، وتغنى له أيضاً جيلاني الواثق والفنان سيف الجامعة في أغنية "طبل العز ضرب يالسرة قومي خلاص" وغنت له فرقة عقد الجلاد من ألحان عثمان النو أغنية "بكائية على بحر القلزم" وهي عنوان لأحد دواوينه. وكتب الحاردلو مجموعة قصصية بعنوان "ملعون أبوكي يابلد" اختلف الناس في فكرتها وفي تقييم مضمونها، لكنها تعبر بصدق عن رؤية يجب التعمق فيها وإعادة قراءتها بطريقة نقدية عميقة، واشتهر بمقالاته الصحفية التي تتناول جوانب المجتمع المختلفة. والراحل دبلوماسي شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية وكان آخرها منصب سفير السودان باليمن وأحيل للتقاعد في أوخر ثمانينات القرن الماضي وظل مخلصاً لمبادئه في الدفاع عن الديمقراطية ومحاربة الأنظمة الشمولية وظل وفيا لمبادئه حتى وفاته ودفع ثمن ذلك الوفاء وهو راضٍ تماماً. ومن الجوانب المضيئة في سيرة سيد أحمد الحاردلو نقاء سريرته وتواضعه وطيبته وصفاء قلبه الذي يشبه قلوب الأطفال، وقد كان مرهفاً وحساساً تؤثر فيه عبارات الثناء لدرجة البكاء، واعتاد الحاردلو على البحث عن كل من كتب فيه كلمة رقيقة ليشكره بكلمات تفيض رقة وعذوبة ولا يهدأ له بال إلا بعد الاتصال بالشخص المقصود مهما كلفه ذلك من جهد وزمن وعناء. وقد كشفت محنة المرض والابتلاء الذي تعرض له قبل عدة سنوات عن فارس لا يقل عن فراس الشعر والكتابة والوطنية، عانى الحاردلو في مرضه بصمت شديد وعندما خرجت حقيقة معاناته المالية عبر بعض الأصدقاء وذاعت وانتشرت في الموقع الإلكتروني الشهير "سودانيز أون لاين" أصدر بياناً شكر فيه الجميع وقال إن محنته تخصه وحده وقرر بيع منزله لتغطية تكاليف العلاج ورغم ذلك لم تتحرك الجهات الرسمية "إلا بعد ضحى الغد"!