بالرغم من أن الحروف والكلمات تتوه من جوفي ومن أعماقي عندما يخطف الموت عزيزا لدي إلا أنه بعد حين يعود لي تماسكي وأمسك بالقلم لأكتب عن عزيز رحل عن دنيانا ويقول لي النص يأتي أكثر في كتاباتي من المراثي فأنا أقول إن كل مرثية أكتبها في رحيل عزيز لدي وفي رحيل مبدع من بلادنا فإنني بذلك أرثي نفسي لأنني أعلم علم اليقين أن الموت لاحق بي لا شك في ذلك وجمعينا في انتظار أجلنا الموعود والمكتوب في كتابنا بالأزل ولذلك فإنني أقول عن الموت إنه هو الحقيقة المرفوضة الحقيقية التي بدأت مع الدنيا ولم يألفها الإنسان بل ظل يرفضها على الدوام ويعبر عن رفضه هذا بشتى الوسائل يكثر البكاء ويعلن الحداد وينكسر شيء دقيق في قلبه لا يندمل أبداً ويظل يرعف على الدوام كلما طاف بذهنه خيال من ذهب إلى عالم العرش والموت وعند قوعه لا نملك إلا القول: لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.. أقول هنا: عندما أتحدث عن الراحل والأخ الحبيب والصديق الوفي محمد شريف الذي انتقل إلى دار الخلود أقول بالحق إنه رحل وترك من ورائه سيرة طيبة مليئة بكل القيم الحميدة والفاضلة فمعرفتي بالحبيب محمد شريف تعدت الثلاثين عاماً فقد امتدت منذ أوائل حقبة الثمانينات في القرن الماضي وقد سمعت عنه وعن صفاته قبل أن ألقاه حيث إنه يعتبر أحد القلائل الذين كونوا وأقاموا ركنا لحزب الأمة وكيان الأنصار في حقبة الستينات من القرن الماضي في جامعة الخرطوم حيث كانت الأركان وقتها حكراً للشيوعيين وللإخوان المسلمين وبعض القوى الاشتراكية بالجامعة فهو وجه آخرين جعلوا من صوت حزب الأمة وكيان الأنصار صوتاً مرتفعاً داخل جامعة الخرطوم وجئنا نحن من بعد جيل محمد شريف والتحقنا بجامعة القاهرةبالخرطوم وبالحق أقول عجزنا عن تثبيت ركن لحزب الأمة وكيان الأنصار بالجامعة وذلك لأن اليسار كان هو الغالب وحتى الإخوان المسلمين كانوا لا يمثلون عدداً مقدراً الشيء الذي جعلنا نكون منبراً ثالثاً أطلقنا عليه منبر المستقلين وضم أحزاب الوسط من أمة واتحاديين وأنصار وختمية وقوى اشتراكية وديمقراطية أخرى وبعض المستقلين وغيرهم نقول عن الراحل محمد شريف فضل بعد تخرجه في جامعة الخرطوم ظل ثابتاً على مبادئه ومواقفه رغم كل الإغراءات فإنه لم يسقط أمامها وظل متمسكاً بحزب الأمة وكانت أنصاريته عنده هي كل شيء. لقد قدر للأخ الراحل بعد التخرج أن يعمل بسلك الضباط الإداريين وكانوا وقتها يمثلون بحق ظل السلطة والحكومة وقد انحاز في عمله للوطن والمواطن ولم ينحز على الإطلاق على من يشاركونه اللون السياسي بل تعامل مع الجميع بمستوى واحد خادماً لهم جميعاً وهذه واحدة من المثليات التي التصقت بشخصه ومن مثالياته أنه خلال عمله الطوعي بالمؤسسة القيادية بحزب الأمة أشهد الله أنه كان يعمل في ظروف غاية في الصعوبة وكان لا يملك عربة يتنقل بها في معظم الأحيان فقد كان ينتقل بالمواصلات في كل التكاليف التي يكلفه بها حتى عندما امتلك عربة فقد كانت عربة هالكة وكثيرة الأعطاب مما يجعله يترك استعمالها ويفضل تحركه بالمواصلات عليها وأقول إن آخر موقع شغله الراحل محمد شريف بالمؤسسة القيادية بالحزب كان رئيساً لدائرة الانتخابات في انتخابات أبريل 2010م، وظل يسافر إلى كافة الولايات شمالاً ووسطاً وشرقاً وغرباً للاطمئنان على سير العملية الانتخابية رغم حالته الصحية التي تستدعي خلوده للراحة إلا أنه كان لا يحب الخلود للراحة ومما يؤكد ذلك بأنه لم يستسلم للمرض إلا بعد أن تمكن منه وجعله ملازماً للفراش وهو في الفراش قابل المرض بكثير من الصبر والصمود والمعنويات العالية نسأل الله أن يجعل من متاعبه وآلامه أثناء المرض حسنات له في الدار الآخرة بإذن الله. ما عرفته عن الراحل محمد شريف أنه كان زاهداً ومتقشفاً في حياته وكان بالحق لا يعرف الخصومة السياسية لكل من يخالفه الرأي وكان ودوداً مع أهله وأصدقائه وزملائه ومعارفه ورفقائه بالحزب فقد كان يشاركهم جميعاً |أفراحهم وأتراحهم ومناسباتهم المختلفة. غاية ما أقول عن الراحل إنه كان مثالياً ومثاليته كانت زائدة وتفوق الحد فقد كان رحمه الله مثالياً في كل شيء. نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن ينزل الصبر والسلوان على أسرته وعلى أهله وبخاصة ابنه الدكتور المهدي وإخوته وأبناء عمومته وأبناء إخوانه محمد فرح وإخوانه ومحمد علي وكل أصدقائه ومعارفه وأحبابه بحزب الأمة وكيان الأنصار إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله. مختار أحمد بخيت حزب الأمة القومي ولاية الخرطوم