عندما يكون الموت (جاراً)..!!! الخرطوم : فاطمة خوجلي (الخفير)...يمثل الشخصية القائدة لمجتمع (المقابر)...فالعم بابكر آدم محمد...هرب مع أسرته من ظلم الأحياء ليختاروا رفقة الأموات...وهربوا من زحمة الحياة لينعموا براحة البال مع إخوانهم الأموات...يعيشون حياة يذوقون فيها طعم الموت... يصحون على منظر شواهد القبور الصماء وينامون عليها... يسمعون صمت الموتى و صراخ أقاربهم وهم يوارونهم الثرى، كل شىء في حياتهم يعبر عن الموت الذي يحاصرهم... ترى ما حكاية هذا العالم..؟؟؟..(السوداني) طرقت أبوابهم لتستمع إلى همومهم وغرائبهم فكانت هذه المعايشة.. الهجرة للمقابر: في جولة داخل هذا العالم التقينا أسرة (خفير) مقابر بري والذين تحدثوا لنا عن المفارقات... حيث تقول خديجة بابكر ابنته صاحبت الاثني عشر ربيعاً وهي تستلقي على (عنقريب) وهي تحتضن طفلاً لن تفشل معالم الزمن القاسي في اخفاء معالم براءته.. إنهم أسرة (دارفورية) وإن والدهم يعمل كخفير في مقابر بري منذ تسع سنوات...وقد لحقوا به في العام الماضي... تاركين وراءهم في دارفور(مكة ومدينة) بحكم أنهما متزوجتان.. وعن الفروقات بين دارفور والخرطوم تقول إن دارفور شحيحة المياه أما الثانية ف (مولعة) نار في ظروف المعيشة...وحول دراستها تبين أنها في مرحلة الأساس بالصف الرابع، وعن صداقاتها تقول: صديقتي هي حياة محمد أحمد التي تدرس معي في الصف وأخواتها حسنة وعزيزة اللتان تدرسان في السنة الثامنة ووالدهم هو خفير المدرسة... خديجة تضحك وهي تقول: (يعني أولاد الخفراء بصاحبوا بعض)...فقاسمتها الضحك لأنني فهمت ما أرادت الإشارة إليه تلميحاً لاتصريحاً.. وبهذا تؤكد أنها تتمتع بالذكاء اللغوي... ولم تنس أن تشكر السائق (العم خوجلي) على (حق الحلاوة) الذي جادت به نفسه لأخيها يوسف. ترفيه مع الموتى: والدتهم فاطمة تقول إنها تعمل كبائعة (تسالي) و(فول سوداني) بالقرب من نادي وادي النيل...وعن صديقاتها اللآتي تبادلهن الزيارة تقول: لاتجمعني علاقات سوى بأخواتي اللآتي يقمن في المدارس القريبة من هنا...سألناها عن كيفية الترويح عن النفس.. تعجبت منها وهي تقول إنهم يكسرون الروتين اليومي مع الموتى ثم تساءلت: (نرفه كيف يعني؟!) وأشارت إلى أنها تحرس المنزل من اللصوص الذين يروعونهم دون أن يجدوا شيئاً" وكذلك تحرس المقابر من مرتادي السحرة والدجالين أثناء غياب زوجها من المنزل...صمتت برهة لتقاطعها خديجة قائلة : (أنا وأخواني بنتفسح في شارع النيل). خوف من الجنازة: (نستيقظ في الصباح على الجنائز و ليلاً كذلك)..هذا ماقاله حسن وتابع ليبين أنه سيلتحق هذا العام بالسنة الثالثة ليمتحن الشهادة السوداني في المساق الأدبي ... ويتمنى أن يكون معلم تاريخ في المستقبل....وحول عمله الآن يقول إنه يعمل في تحويل الرصيد مبيناً" أنه لايحقق له هوامش أرباح... وعن الخوف الذي ينتاب أخواته يقول:(مابخافوا من المدفونيين ولكن من الجنازة لحظة دخولها من البوابة فسرعان مايهرعن ليندسوا داخل المنزل... ويختم حديثه وهو يشير إلى العنقريب والزير والمرجيحة وجلسة أصدقائه قائلاَ:(سرعان ماتعودنا على الحياة مع الأموات). وبحسب والدتهم فاطمة فإن) الخوف) ليس هو المشكلة الوحيدة التي يعانون منها فهم يعيشون في خوف مزدوج من الجنائز تارةً ومن الأحياء حيث يستغل اللصوص هذا الاعتقاد لديهم فيطرقون أبوابهم ليلاً لتخويفهم وذلك ليتمكنوا من سرقتهم أو دفعهم لترك المنطقة نتيجة إحساسهم بالخوف وعدم الأمان... وتؤكد أن البعض (لم تسمهم).. يلجأون إلى دفن أشياء لم تسمها أيضاً في منطقة مقابر (بري)... وتكثر هذه الحالات في الصباح الباكر والليل.!! وتختتم فاطمة حديثها عن زوجها العم بابكر وتقول إنه مسافر، و سيعود بعد يومين من (الشمالية) التي قصدها بغرض إنجاز بعض المهام. أكثر تماسكاً: وعن التشخيص النفسي لسكان المقابر تقول استشاري الصحة النفسية هبة الله عثمان: (نظراً لضيق ذات اليد يضطر الكثيرون إلى اللجوء للعيش والسكن في المقابر ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي جداً مثل غيرهم من البشر, وهم أكثر تماسكاً وقرباً من بعضهم البعض بشكل قوي على عكس من يسكنون الأحياء الراقية...فهم يعوضون هذا البعد والعزلة عن العالم بقربهم من بعضهم البعض وتماسكهم, وحياتهم دائماً تعتمد على أبسط الأشياء فلا وجود للرفاهية لأن هدفهم تأمين كسب لقمة العيش بأي شكل... ولا توجد لديهم أي تطلعات أو طموح للمستقبل, إلا لدى نسبة قليلة جداً.