يمكن أن أسمي زاوية اليوم بالعمود السنوي ،وأنا على ثقة بأنني لو سحبت موضوع العام الماضي لما وجدت فيه شيئاً يختلف بل ربما أظلم اللحظة الحرجة التي نعيشها حالياً بسب فارق "سعر الصرف" ولكن لابد من الكتابة لأنها مهنتنا التي لا نعرف شيئاً سواها أولاً: ولأنها وثيقتنا للأجيال القادمة، وبسم الله الواحد الأحد بدأت بالأمس السنة الدراسية الجديدة وهي مصيبة تجمع في حجرها مئات الآلاف من المصابين وهذا بحساب أن في لكل بيت سوداني تلميذ واحد فقط لا غير! في مثل هذه الأوقات من سالف العصر والأوان كنا نكتب على إيقاع أغنية "أولاد المدارس" التي كتب كلماتها أستاذنا فيصل محمد صالح وهو شاعر يتخفى في ثياب الصحفيين وبالمناسبة له أغنية أخرى غناها الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد أما أغنيتنا فقد برعت في ترديدها فرقة عقد الجلاد ويقول مطلعها:" يلا يا أولاد المدارس.. في ربى السودان وسهلو.. يلا شخبطو في الكراريس.. اكتبوا الواجب وحلوا.. دينق زايد محمد أحمد.. فاس وطورية وزراعة.. فاطمة زايد ميري ببقوا.. غنوه نيلية بشراعه.. وردتين على يامبيو.. ووردة تالتة على رفاعة"! والأغنية التي وضع لحنها الموسيقار عثمان النو جسدت أحلام كل سوداني وفيها رمزية وأمنيات بوطن لم يعد موجوداً الآن ..وكثير من الأغنيات التي صاغها وقدمها تربويون خلدت في الوجدان والذاكرة الجمالية ومنها " نشيد بدري صحيت من نومي"وهو عبارة عن بانوراما للحياة المدرسية ويرسم هذا النشيد صورة رائعة للمدرسة والأجواء الأسرية والاجتماعية المحيطة بها والروح التي يستقبل بها الناس العام الدراسي. كان هذا كما قلت في "غريب " الزمان وسالف العصر والأوان لكن الواقع اليوم اختلف وأصبح وجود تلميذ واحد للأسرة يدرس بالمدارس بمثابة كارثة اقتصادية تهد الميزانية فما بالك إذا كان متوسط العديد من الأسر هو وجود أربعة طلاب في مرحلتي الأساس والثانوي وهؤلاء تصل تكلفة يومهم الدراسي إلى أربعين جنيه" يعني أربعين ألفاً"! أقول هذا وأعلم تماماً أن مجانية التعليم في السودان لم تكن حقيقة في يوم من الأيام لكن هناك فرق بين المساهمات الرمزية والجباية الإجبارية التي تفرضها المدارس بالسوط والطرد رغماً عن أنف كل القرارات التي تمنع تحصيل الرسوم في المدارس ونحن هنا نتحدث عن المدارس الحكومية وتخرج المدارس الخاصة عن حساباتنا، بإعتبار أن الذين يرتادونها اختاروا ذلك حتى لو كانوا مكرهين. ومالنا نتحدث عن المصاريف والكتب وتقارير الحكومة الرسمية تشير وتؤكد حالات الجوع الجماعي لعدم توفر وجبة الإفطار لأعداد كبيرة من التلاميذ والتلميذات الأحياء منهم والأموات ،لقد قتلنا هذا الموضوع كتابة ولكن لاحياة "بالتاء" ولا حياء"بالهمزة " لمن تنادي ونسأل الله أن يلطف وألا يجعل لديك أيها القارئ الكريم تلميذاً أو تلميذة.. ونختم بنبؤة الشاعر جمال عبد الرحيم وإيقاعات عقد الجلاد" قالوا العلم ملحوق ..كُتر الفهم ما بحوق. آخر الزمن يانااااس ودوا الولد للسوق !